العدد 5741
الأربعاء 03 يوليو 2024
banner
ضمير العالم يتغير ماعدا أميركا
الأربعاء 03 يوليو 2024

وصلت حرب غزة التي اندلعت في السابع من أكتوبر أو ما يسمى بـ (طوفان الأقصى)، والتي اندلعت العام الماضي، للذروة السياسية من خلال المتغيرات التي تحدث في رؤية العالم للقضية الفلسطينية، والتي فرضت على الأغلبية اتخاذ مواقف جديدة كليا، ومنها الاعتراف بدولة فلسطين. فبعد الضمير البشري الذي هز الجامعات وشوارع أوروبا وأميركا، فإن سياسة بعض الدول العربية والإسلامية تجاه الداعمين لإسرائيل ستكون حتمية في المرحلة القادمة، ونتيجة طبيعية للمجازر التي يتعرض لها الفلسطينيون عموما وأهل غزة خصوصا، والأجواء السياسية بدأت نوعا ما تمهد لهدنة أو اتفاق لإيقاف هذه الحرب التي ستكون نتيجتها تغييرا في العلاقات السياسية والجيوساسية بين الدول.
فالغرب بشكل عام فشل في إقناع إسرائيل بإيقاف حربها ضد الفلسطينيين، كما فشل في إيقاف الحرب الأوكرانية، لذا أصبح في موقع الضعف السياسي والمؤثر، وأصبحت الولايات المتحدة الأميركية القوة الوحيدة التي تسيطر وتحرك هذه الحروب حيثما تشاء، والغرب بات تابعا للصهيونية والماسونية العالمية. لذا فإن توجه العرب نحو الشرق خطوة يمكن أن تثمر نجاحات فاعلة ولو تدريجيا لإعادة التوازن، خصوصا مع الصين وروسيا، كما يفعل الرئيس الروسي بوتين كذلك بتحالفاته مع دول الشرق في آسيا مثل كوريا الشمالية وفيتنام وغيرها. وبالأمس وأمام مرأى العالم أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن الديمقراطي، ومنافسه على الرئاسة دونالد ترامب من الحزب الجمهوري، في مناظرتهما عن دعمهما القوي لإسرائيل، وليس لحلفائهما الآخرين من العرب أو الغرب، وهو تأكيد متواصل وقديم من الإدارات الأميركية، لكن الحقيقة المرة أن أميركا وإسرائيل عملة واحدة.
 

فقد أكد الرئيس الأميركي بايدن عزمه الوقوف مع إسرائيل، رغم سعيه للترويج لخطة وقف إطلاق النار التي طرحها ولم تلق دعماً من نتنياهو، في المقابل، كرر ترامب زعمه أن “حماس لم يكن لها أن تهاجم إسرائيل، ولا حتى بعد مليون عام، لو كان رئيسا”.
نعرف العلاقة الأميركية والغربية مع إسرائيل وسبب إقامتها في الشرق الأوسط، لذا علينا كعرب ومسلمين بعد أن عرف العالم بأكمله، وشهد جرائم إسرائيل وحلفائها، وانكشفت أكاذيبهم وإعلامهم الغربي الذي يهيمن عليه اليهود، أن تتجه البوصلة نحو الشرق تجاريا واقتصاديا وأمنيا، والطريق إلى لاهاي أصبح ممهدا للقادة الإسرائيليين.
فالنظام الدولي الانفرادي الذي كان سائدا في العقود الماضية سيتغير بعد أن أثبت فشله لتحقيق استقرار العالم، ونزعت ورقة التوت، وتعرت أميركا وحلفاؤها وأصدقاؤها، وأصبح العالم يعرف حقيقة النظام العالمي وأهدافه، وظل احتلال فلسطين من دون حل لسنوات، فأي مجلس أمن هذا، حيث سقطت كل الأقنعة وتعرت دول ومنظمات وجماعات ولم يبق إلا بناء كيان جديد عالمي يعيد الأمان والاستقرار والعدالة للجميع، مادامت السياسة الأميركية تدار من غرف مكشوفة وليس البيت الأبيض.
الأوضاع تتغير، والتحولات السياسية التي تشهدها أوروبا بصعود نجم الأحزاب اليمينية فيها وبقوة، هي بداية للتصحيح، فلن تذهب قطرات الدماء لأكثر من 13 ألف طفل جراء الحرب دون ذنب اقترفوه سدا، أو عدد القتلى الذي فاق الأربعين ألفا كذلك، فأهل غزة صامدون متحدون، والاعترافات بالدولة الفلسطينية ستزداد أكثر وأكثر بعد أن وصل العدد إلى 145 دولة من أصل 193 دولة (الأعضاء في الأمم المتحدة).
لذا علينا كعرب السعي الحقيقي مع الدول الداعمة والمؤثرة لتكريس حل الدولتين الذي ترفضه إسرائيل وتعتبره تهديداً لأمنها، بل لوجودها، وأملنا كبير في اللجنة العربية الإسلامية برئاسة وزير خارجية المملكة العربية السعودية إيقاف الحرب وزيادة الاعتراف، وتحقيق الاستقرار والتنمية، وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني الذي عانى الأمرين منذ عقود طويلة.
فقد انكشف الغطاء عن ادعاء إسرائيل بأنها دولة ديمقراطية، وعن أميركا بأنها دولة داعمة لحل الدولتين، واليوم نرى أن ضمير العالم بدأ يتغير وهناك تغييرات، فإذا كانت الولايات المتحدة الأميركية صادقة لإيقاف نزيف دماء الأبرياء والاكتفاء بما تم من حرب إبادة، فعليها أن تلزم إسرائيل بإيقاف القتال، وسحب جيشها من غزة والاعتراف بدولة فلسطين، وهو ما تطالب به حماس، وبذلك يتحقق الحل العادل والمنصف، والذي ينسجم مع قرارات الشرعية الدولية، ويعيد لأميركا هيبتها المتعثرة عالميا، ومناظرة بايدن وترامب خير دليل.. والله من وراء القصد.
 
كاتب ومحلل سياسي عماني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .