+A
A-

مهرجان ليالي المسرح الحر 19 .. الإنسان هو الأساس في عروض


الإنسان هو الهاجس الأساس لعروض الدورة التاسعة عشرة لمهرجان ليالي المسرح الحر في دورتها ال 19 التي تتواصل هذه الأيام في العاصمة الأردنية حيث الاختيارات التي تؤكد جدية الاشتغال والتحضير من قبل اللجنة المنظمة لهذا العرس المسرحي الذي بات موعدا لاستقطاب الإبداع المسرحي العربي والدولي.
 محطة البداية كانت مع مسرحية "هناي" للمخرج عمر الضمور وتأليف نزار عويس حيث يأخذنا العرض إلى جريمة أخلاقية بشعة تتبادل بتا الاتهامات امرأتان كلاهما حبيس ذاته ومرحلة زمنية الأولى حبيسة التاريخ واجتراره والثانية تذهب إلى منطقة ابعد حيث تحاصرها الأبدية بكل هذيانها وألمها الموجع، وكل منهن تبحث عن لحظة وعي تتشكل شوقا من زاوية وتوق من زراية أخرى وباحترافية ذكية في الكتابة يأتي ذلك المزج بين الشوق والنوق وبين الحنين والبوح لتشكيل مضامين ذلك الوعي الذي ياخذنا في فضاءات بصرية راح يشكلها المخرج الشاب عمر الضمور بكثير من الاشتغال الاحترافي وان ظلت بعض على ايقاع وأداء الثنائي سهير فهد ورانيا فهد، وفي المقابل تجليات الأداء الجسدي للفنانة سارة ياغموريان التي راحت تستحضر دلالات الشوق والتوق والحنين والبوح والانتظار والاتهام والصراخ المبطن تارة، والحاد تارات اخرى، في "هناي" كاتب مجتهد وحلول إخراجية مبشرة، أسماء تمثل رهانات إضافية لرصيد المسرح في الأردن.
من تونس حطت مسرحية – 14. 11 – للمخرج لمعز القديري رحالها في العاصمة الاردنية ضمن عروض المهرجان .
المسرحية ترتكز علي نص لهيثم المومني وماهر مصدق حيث تلك الرحلة التي تأخذنا إلى عوالم هذا الثنائي المتقلب المزاجي الحاد والقاسي والمتشابك وأيضا الكراهية المتفجرة والاكتئاب المتجر في هذه الشخصيات الصعبة والمشبعة بالتفجر والعناد .
في العرض سينوغراف عال الكعب رفيع المستوى خلفه صبري العروس وأيضا أداء شديد الحساسية يقوده الثنائي هيثم الممني (شارك في الكتابة) و مروان يساوي وكل منه له لغته وتفسيراته لمسرات وتأويلات الشخصية .
وحينما نذهب بحثا عن التفاصيل نجد بان النص المسرحي مقتبس من مسرحية – ذهان 4:48- للكاتبة سارة كان ( سارة كاتبة بريطانية من مواليد 1971 ولها مجموعة هامة من الإعمال المسرحية ومنها – بلاستد 1995 – كلين سايد 1998- جراف 1998 – بسايكو 2000 – وغيرها وهي في جملة إعماله تذهب إلى مواضيع الحب والتعويض والرغبة الجنسية والألم والتعذيب الجسدي والنفسي على حد سواء وأيضا الموت الذي شكل أثيمة هامة في عدد من إعماله ).
والنص هاحترافي.ما كتبت بل هو بمثابة اليوميات التي كتبتها ساره في المستشفي حملتها شذرات من الالم وذلك الصراع المتفجر بين العقل والقلب ومن هنا تأتي أهمية هذه التجربة المسرحية الرفيعة المستوى بالذات عند اللحظة التي ينفصل بها العقل عن القلب ليتفجر صراع نفسي لا تتحمله الذات البشرية بل لعل أكثر دلالاته تلك الصفعات التي كانت احدي الشخصيات تانهال بتا على رأسها ووجه .
اشتغال احترافي، ونص عبقري، وتمثيل مبهر شديد الحساسية والذكاء، وحلول إخراجية ما كان لها إن تكون لولا الانتماء للتجربة وامتلاك هذا الفريق الرائع ونخص السينوغراف صبري العتروس وبقية عناصر (مسرح أوبرا تونس).
عرض لا ينتهي حينما تضئ الصالة أنوراها بل يتفجر بالأسئلة والذهاب إلى مناطق إضافية في البحث والتحليل والاستنباط وهذه التجربة ليست بمستغربة على تجارب المسرح التونسي الرائدة والمتجددة والإضافية .
وشكرا لمسرح أوبرا تونس والمخرج المعز القديري على إنهما شرعا الأبواب والنوافذ ليتعرف عشاق المسرح وجمهور مهرجان ليالي المسرح الحر على كاتبة بمكانة وقيمة سارة كان ( 3 فبراير 1091 – 20 فبراير 1999)، ويبقي إن نقول، الإنسان هو الحاضر الأساس في عروض ليالي المسرح الحر في دورته الـ 19 .