+A
A-

 المرأة تعزف على مقام التضحية في مهرجان ليالي المسرح الحر

يشكل حضور المرأة في النسبة الاكبر من عروض مهرجان ليالي المسرح الحر في دورته ال 19 عشر التي تتواصل اعمالها في الفترة من 29 يونيو الى 4 يوليو حضورا فاعلا واساسيا وهو حضور لم تخلقه الصدفة بل حصاد حتمي للمكانة التي راحت تحتلها المرأة والانجازات والبصمات التي حققتها. 

ويتأكد هذا الحضور عبر مجموعة من الاعمال وفي مقدمتها مسرحية "سيناريو وحوار" لفرقة مسرح الخليج العربي من تأليف واخراج فيصل العبيد وبطولة سماح ويوسف البغلي. حيث يتجاوز حضور المرأة الصيغ التقليدية الى الكينونة الحقيقية الفاعلةوالمؤثرة في مسارات النص والعرض. فهي ليست مجرد فكرة عابرة على ذلك الكاتب بقدر ما هي كيان وشريك وذاكرة مشتركة.

ان الشخصية المحورية هي كاتب مصاب بمرض اضطراب الشخصيات المتعددة والذي يجعله ينتقل بين مجموعة من الحالاتفاقدا للذاكرة. ولكنه في كل مرة يذهب بها الى تجربة كتابية تكون المرأة هي الحاضر الاساس بل مصدر ذاكرته لتعريفة بذاتهالتي سرعان ما تضمحل وتذوب وتتلاشي الى النسيان عندها يبدا ذلك الكاتب بالبحث عن نفسه وهويته وكينونته وليس ما سبيلامامة سوي تلك المرأة الشريك والشاهد والفكرة والموضوع والقضية والنبض الدائم. 

جملة المشهديات التي يأخذنا اليها ذلك المشاهد تكون المرأة هي مركزها ومحورها واساسها حتى نصل الى اللوحة النهائية لتكون الحقيقية التي نكاد نكون عرفناها منذ اللحظة الاولي حيث تلك المرأة الصبورة والمثابرة والتي تظل تتشكل وتتلون لتبقيالشريكة والرفيقة حتى مع كاتب فقد البوصلة الى معرفة هويته. 

ثنائي العرض الفنانة سماح والفنانة يوسف البغلي كانا في مباراة متناغمة من الاداء الثري والعميق كلاهما يحمل الاخر الىافاق اضافية ترسخ مفردات ومضامين العرض ومن قبله دلالات الشخصيات وعذابتهما المشتركة، ان تلك الكينونة المشتركة لايمكن لها ان تكون بشكل احدي لذا تظل تلك المرأة تعزف على مقام التضحية هو بلا ادني شك مقام عامر بالتجليات السرمدية. 

خلف العمل كوكبه من الاسماء لابد من التوقف عندها ومنها وليد سراب (موسيقي) د. فهد المذن (السينوغرافيا) وحسين الحسن(التقنيات) و (عبد العزيز العبيد (التقنيات) وايضا الكاتب والمخرج المتميز فيصل العبيد الذي يؤكد تجربة بعد اخري علو كعبهوتميزه وانتماءه الحقيقي لحرفته وهو في هذا العرض يتحرك عبر خط شديد الشفافية والتوازن بين الكتابة والحلول الاخراجية التي ذهبت بعيدا في تحقيق مفردات الاضافة لمضامين العمل. ونعود لبيت القصيد لنؤكد بان المرأة في سيناريو وحوار ليستمجرد فكرة بل كيان وقضية ومحور واساس. 

وفي المقابل تأتي مسرحية "حياة سعيدة" انتاج نقابة الفنانين العراقيين تأليف عبدالنبي الزيدي واخراج كاظم نصار وتمثيلعلاء قحطان وحسن هادي ولبوه صلاح وغفران فارس. 

فرحان وفرحانة عريسان يلجأن بعد حادث انفجار ليلة زفاهما الى منزل وبدلا من ان يكون هذا المنزل محطة امان فاذا به يفجرداخلهما عذابات الحياة اليومية المعاشة في بغداد حيث الانفجارات هي الايقاع اليومي المعاش. 

والمرأة هنا الشريك الحقيقي الذي تورط في متاهات تلك اللعبة القاسية التي ابتكرها الكاتب الزيدي واشتغل كاظم نصار عليها تعميق دلالاتها وفك شفراتها. فاذا نحن امام امرأة لا تتحرك بشكل احادي بل هي كيان حقيقي يعيش التجربة بكافة تفاصيلهاوصولا الى التفكير بمستقبل الاحفاد المظلم.. عبر مسار توتري متصاعد ما ان ينتهي من لحظة حتى يلج براكين تقذف بحممها في كل اتجاه. 

في اداء لبوه وحسن هادي كيميائية عالية تم ضبطها بشكل أعمق في العرض الثاني الذي شاهدته في عمان بعد تجربة عرضه في بغداد وهو عرض يمتاز بالمرونة واللهو والمباغتات التي لا تكاد تهدأ بل نراها تستعر عبر تلون متسارع يتجاوز حدود الهذيان. 

المرأة هنا كما هي المرأة في النسبة الاكبر من عروض مهرجان المسرح الحر تعيش على حافة النصل بل على حدود الهاوية ورغمذلك نراها تصر على ان تعيش اللحظة وهي تعلم قبل غيرها انها تعيش الهاوية والجنون، لذا تظل حاضرة بكثير من الدفق الانساني العالي. 

ونخلص، المرأة في عروض مهرجان ليالي المسرح العربي لم تأتى مصادفة بل هي حاضرة عبر اختيارات ذكية وحساسة ولهذا يأتيالتناغم العالي بين العروض مها اختلفت وتنوعت وتعددت، انها المرأة التي تعزف على مقام التضحية.