العدد 5762
الأربعاء 24 يوليو 2024
حادثة عابرة وخطر “داعش” يحتاج لوحدة
الأربعاء 24 يوليو 2024

شيء غريب أن نسمع أو نقرأ من البعض ان سلطنة عمان بها أصوات متطرفة تبث السموم والفتن والخطاب المتشدد للخارج، شيء عجيب أن تظهر في منطقتنا مثل هذه الأصوات التي لا تفرق بين المواقف الإنسانية والإسلامية التي تربينا عليها وبين المواقف الضالة، فما حدث في “الوادي الكبير” بمسقط ليس له أية صلة بما يتحدث عنه بعض المغرضين. ففي الوقت الذي كشفت فيه “داعش” عن تبينها الهجوم، يخرج لنا البعض ويقذف ويتهم سماحة المفتي العام لسلطنة عمان وسياسة البلد التي تتمتع بقدر أكبر من الحرية الدينية والوئام مقارنة بالدول الأخرى، بأنها السبب لما وصلت إليه.
فقد ابتلينا في سلطنة عمان والخليج بشكل عام بتدخل الأبواق الخارجية التي ترغب في زعزعة النسيج الوطني، وتشويه سمعتنا خارجيا وداخليا، فنقول للأبواق المأجورة ستبقى منطقتنا ساحة الأمن والأمان للمقيمين والمستثمرين والزوار، وستبقى عمان بلد الاعتدال والوسطية، حيث لا غلو ولا تطرف ولا مذهبية، ولا تكفير، بلد ينبذ النباتات السامة والضارة والضالة. وما حدث لن يغير شيئا من واقع الأمر، لأننا نعرف تاريخ هذا التنظيم الداعشي وفكره الضال وأكاذيبه، فالنسيج الوطني واحد من الجنوب إلى الشمال، فلن تغيرنا هذه الحادثة رغم مرارتها وتوقيتها، بل زادتنا قوة ومعرفة لتعديل وتقييم بعض الأمور الجدلية والمسائل التي يجب الوقوف عندها لاحقا. كل من يعرف سلطنة عُمان ومواقفها وسياستها وصراحتها يدرك أن تلك كذبة كبرى، لجر هذا البلد لمهاترات إعلامية وسياسية، فليست عُمان من تزرع الفتن وتلعب في الخفاء مع الآخرين، وليست من عاداتنا على مر التاريخ أن نقف وراء نشوب حرب أو إدامة صراعات، ولن يهز عمان بيان داعش أو أقاويل المغردين والتصريحات والحملات المغرضة.

وهذه الأدوات رخيصة الثمن لن تفلح في إبعادها عن القيام بدورها السلمي والإيجابي في المنطقة والعالم.
لقد أرادوا لها أن تغير سياستها ومواقفها، وأرادوا لها أن تغير فكرها وتسامحها وأرادوا جرها لحروب وفتنة داخلية، وأرادوا لها الكثير والكثير، ومع ذلك ظلت متمسكة بمواقفها وتسامحها وسياستها المعتدلة، ووساطتها في الكثير من الأزمات والقضايا، لذا لم نتفاجأ بالحادثة، والتي أسفرت عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة آخرين، فالهدف كان واضحا ومخططا له لضرب استقرار هذا البلد، وإثارة الفتنة المذهبية وغيرها، ولكن لم يستطيعوا ولن يستطيعوا فعمان أكبر من ذلك، وما حدث إنما هو امتطاء للجهل، والحقيقة أن هذه الحادثة علمتنا درسا نحتاجه اليوم قبل الغد.
ومن دون شك هذا العمل دخيل على شعب سلطنة عمان، ومن فكر ضال متطرف جاء من الخارج، لكننا حزينون لأن البعض والقلة في دولنا العربية وصل إليهم الفكر والآيديولوجيا المتطرفة، من منظمات لا يرغبون في استقرار دولنا وتطورها، وأرادت أن يكون لها دور في الداخل، وهذه المنظمات الاستخبارية لا تستطيع أن تكسر هيبة واستقرار وأمن بلداننا، وسنبقى مع السلام والدعوة للاستقرار وتطبيق العدالة والأنظمة والقوانين الدولية ليعم السلام والرخاء كل الدول والشعوب.
وهكذا هي عمان ودول المنطقة منذ نشأتها مع أبنائها من كل المذاهب، تحترم المذاهب وتتيح المجال لإقامة الشعائر في المناسبات، مع أن هناك ممارسات غير مقبولة واختلالات تحتاج لوقفات ومراجعات، فما حدث في عمان حدث في بعض الدول أيضا، وتم القبض على شبكات إرهابية ومنظمات تمّ إحباطها وكانت تستهدف أماكن دينية وغيرها، فالمساحة لا تكفي لاستعراضها، وهذا يعني أن الخطر لم يختفِ من المنطقة، بل مازال قائما!
صحيح أن تفاصيل الظاهرة تختلف من بلد لآخر، فسلطنة عُمان وطن يرفض الفكر الضال ويرفض الفتن بشدة ويحارب رياح التطرف من أي مكان تأتي منه، وما تم تضخيمه وتهويله هو محض افتراء، فوق كونها حادثة يمكن أن تحدث في أي مكان في محيطنا الإقليمي أو حتى على مستوى العالم.
لكن يحزننا أن ـ البعض ـ نسب الحادثة لأسباب داخلية، ألا يكفي أن منظمة إرهابية تبنت العملية علنا بالصوت والصورة، ألا يكفي أن المتوفين اعترفوا قبل العملية بعملهم، والكل يعرف “داعش” من أسسها ومن يمولها ومن درب جنودها، فطالما هناك أقلام متطرفة وضالة عن طريق الحق، فمنطقتنا بأكملها مهددة بالخطر.
التعامل الأمني في سلطنة عمان مع الحادثة كان رائعا، بإشادة العديد من الدول التي عبرت عن تضامنها مع حادثة الهجوم وبالإجراءات التي اتخذتها الجهات المختصة في عمان، وسرعتها وكفاءتها في التعامل مع الحادثة ورفضها كل أعمال العنف، كما أكدت استنكارها الشديد لهذه الأعمال الإجرامية، وهي رسالة تضامن لمواجهة مثل هذه التنظيمات الضالة.
لذا يتطلب منا جميعا الإعداد لمواجهتها من خلال عدة عوامل ضرورية في المرحلة القادمة، والتأكيد على التماسك المجتمعي أمام النعرات الطائفية والمذهبية أصبح مطلبا علينا زرعه في أبنائنا، وتحصينهم ضد كل التحولات التي يشهدها العالم من فكر ضال وثقافات غربية هدامة، وهذا لا يعني أن نتجاوز الحادثة، بل علينا معرفة أسبابها الحقيقية ودوافعها، فحصوننا مدرعة وحصينة لهذا الوطن في مواجهة داعش وغيرها.
وأخيرًا.. ندعو العلي القدير أن يحفظ بلداننا من كل سوء، والتمسك بالوحدة الوطنية خط أحمر، لا يمكن المساس به بأي حال من الأحوال، ما حدث في عمان يمكن أن يحدث في أي بلد خليجي آخر إذا لم نقيم أهداف وخطر داعش على المنطقة والله من وراء القصد.

كاتب ومحلل سياسي عماني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .