تناولنا في المقال السابق المسارات الأربعة التي طرحها اتحاد النقل الجوي الدولي (الأياتا) ضمن مبادرات الوصول للحياد الكربوني بحلول عام 2050م، وتأثيرها المجمل على التكلفة التشغيلية لعمليات الطيران التجاري. ولعل من أكثر المسارات أهمية استخدام وقود الطيران المستدام (SAF) إذ تشكل نسبته 65 % من تأثير إجمالي المبادرات.
وقبل الإسهاب في تفاصيل الـ SAF، فإن من الأهمية بمكان استعراض أحدث الدراسات التي تناولت تقدير تكاليف شركات الطيران بشكل تفصيلي، لكي ندرك بشكل أعمق التأثير المالي الذي من الممكن أن يحدثه إدخال الـ SAF وقوداً بديلاً أو ممزوجاً مع الوقود الحالي.JET A1
وفقًا لإحصائيات النقل الجوي العالمي لعام 2022م، فإن أكبر ثلاث تكاليف لشركات الطيران- بالنظرة الشاملة على مستوى العالم - هي وقود الطائرات والزيوت، ثم الاستهلاك (Depreciation)، يتبعه رواتب ونفقات أطقم الملاحة الجوية (الطيارون والمضيفون). يمثل وقود الطائرات والزيوت 28.7 % من إجمالي تكاليف شركات الطيران، مما يشير إلى التأثير الكبير لأسعار الوقود على النفقات التشغيلية. وفي الوقت نفسه، يشكل الاستهلاك 9.1 %، يليه رواتب ونفقات طاقم الطيران بنسبة 8.6 %، بينما تحل تكلفة الصيانة رابعاً بنسبة 8.4 %.
وعلى الرغم من أن قد تتغير نسبة هذه النفقات من شركة طيران لأخرى، بناء على نوع وحجم وعمر الأسطول، وشبكة المطارات والخطوط التي تحلق الطائرات لها، والتغيرات الجيوسياسية، وإجراءات النفقات الداخلية، وإجراءات كفاءة الوقود، وغيرها من العوامل الداخلية والخارجية، إلا أنها تعطي صورة عامة عما ستؤول إليه هذه التكاليف مع إدخال الـ SAF.
وفقًا لتقديرات الأياتا، استهلكت صناعة الطيران في عام 2023م ما بين 450 ألفًا و500 ألف طن من وقود الطيران المستدام (SAF) بسعر 2500 دولار أميركي للطن (أي 2.8 ضعف وقود الطائرات الحالي)، مما يضيف 756 مليون دولار أميركي إضافية إلى فاتورة وقود الصناعة. علاوة على ذلك فإن إنتاج وقود الطيران المستدام قد يرتفع إلى 0.5 % من إجمالي استهلاك شركات الطيران للوقود في عام 2024، مما يضيف 2.4 مليار دولار أميركي إلى فاتورة الوقود لهذا العام.
حتماً، هذا الازدياد المضطرد في فاتورة الوقود لن تتحمله شركات الطيران لوحدها، إنما ستتقاسمه بشكل كلي أو جزئي مع المسافرين عبر زيادة أسعار تذاكر الطيران والخدمات الأرضية شيئاً فشيئاً.