تابعت الضجة التي ثارت بسبب عرض فيلم “حياة الماعز” وقصة الهندي الذي قدم إلى السعودية للعمل في شركة، لكنه بدل كل ذلك يجد نفسه في الصحراء مع الإبل والغنم مع مواطن بدوي. وأثيرت الكثير من الحملات على الفيلم وعلى مشاركة الممثل العماني القدير طالب محمد فيه، البعض أراد دق إسفين في العلاقات العمانية السعودية الراسخة، فمسقط والرياض تشكلان ركنين أساسيين راسخين في مجلس التعاون الخليجي، وتتمتعان بعلاقات طيبة، ولهما مواقف لا تنسى، ولا يمكن أن تتأثر علاقاتهما بهذا الفيلم أو غيره والتي ترتكز على روابط الدين والدم والمصير الواحد والجوار.
لذا فإن “حياة الماعز” التي نفتخر بها جميعا في الدول العربية، أو الإبل أو رعاة البقر، فهذا تاريخنا وتاريخ آبائنا وأجدادنا منذ فجر الإسلام وقبله، واليوم يريد البعض تفكيك وإضعاف هذه العلاقات الراسخة التي تشهد انطلاقة متجددة في عهد الملك سلمان وجلالة السلطان هيثم ـ حفظهما الله ـ لما يشهده البلدان من إصلاحات كبيرة وتغييرات ثرية على كل المستويات لتحقيق الرفاهية والأمان لبلديهما وشعبيهما الشقيقين. لأن هذه العلاقات المتنامية بين سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية نتاج إرث تاريخي طويل ومتواصل أسَّسه وخطَّه قادة البلدين في العقود الماضية، لإيمانهم التام بأن وحدة المصير المشترك وتقوية اللحمة الخليجية الضامن الأكيد لثبات الأمن والاستقرار في المنطقة. وللحقيقة والتاريخ.. يمكنني القول إن ما شاهدناه في الفيلم وللإنصاف لا يمثل المواطن السعودي أو الخليجي برمته، لكن هذه القصة يمكن أن تحدث في أية بقعة من العالم، خصوصا أن العمال الهاربين يعملون في أي نشاط كان. ومن يشاهد الفيلم يكتشف أنه تجنى على الأشقاء حين أظهرهم بلا إنسانية، وظهر الهنود وكأنهم ملائكة، مع أننا لسنا شعوبا ملائكية، ولدينا بعض التجاوزات التي يقف لها القانون سواء في عمان أو السعودية أو أية دولة عربية أو أجنبية.
فهناك مبالغات كثيرة في الفيلم، ولا أحب التطرق إليها، لكن الفيلم أثار ضجة كبيرة في وسائل التواصل الاجتماعي من خلال الإيحاء بغضب المملكة العربية السعودية، وهذا غير صحيح، وأيضا بالهجوم على سلطنة عمان نتيجة مشاركة الممثل العماني في الفيلم، لكن كل المغرضين والأصوات الشاذة عبر الفضاء الإعلامي ومنصات التواصل الاجتماعي لن نحقق مبتغاها فأكاذيبهم وتَجنيهم وافتراءاتهم على السلطنة أو المملكة لن تجد لها آذانا صاغية في البلدين الشقيقين.
فالفيلم الهندي الذي استغل حادثة فردية، وتناسى وجود الملايين من الهنود في دول مجلس التعاون الخليجي والذين يعملون ويتلقون معاملة حسنة، ليسيء لدول الخليج بشكل عام، ففي حياة الماعز، زوروا الحقائق وتمسكوا بحكاية فردية، وشن الحاقدون حملة على السعودية بكل الأساليب، ونحن نقول لهم نحن نثق بأنفسنا وعاداتنا وأصبحت لدينا قناعة وحصانة ضد كل المقارعات والحملات الشعواء التي يشنها أفراد ودوائر على الرياض ومسقط، وليشهد العالم أجمع أن سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية أنجزا خلال الفترة الماضية أكبر طفرة تشريعية في تاريخهما المعاصر.
ومع ذلك لم يشغل البلدان نفسهما بردود الفعل، أو الرد على مثل هذه الترهات التي تهدف للإساءة إليهما وتشويه صورتهما الطيبة والتاريخية مهما كانت أهداف المغردين، فالشعبان السعودي والعماني محصنان ضد كل ما هو مسموم، ويمتلكان إرثا من العلاقات التاريخية والمصداقية، وإرثا ممتدا في الشعر وتربية الإبل والماشية ورعايتها، والحملات المسعورة التي تحاول النيل منا سترد لأصحابها الفاشلين، كما حدث للفيلم.
واليوم، نرى التغييرات التي تحدُث داخل المملكة في مختلف المجالات، وتعاطيها مع الملفَّات الخارجيَّة بحكمة وحنكة قادت لتحقيق ما يصبو إليه الشَّعب السعودي من أحلام، جعلت مِنْها بوَّابة للأمن والخير والسَّلام والرخاء.
فمسقط والرياض يستمدان قوتهما من جبل طوق وجبل شمس، وعلاقاتهما راسخة ومتينة ولا يمكن أن يهزها فيلم أو تغريدات مشبوهة مكشوفة، وما أثاره الفيلم “حياة الماعز” من جدل واسع خصوصا في وسائل التواصل الاجتماعي حول ظاهرة حقوق الإنسان في السعودية ودول الخليج العربي، وما تتعرض له العمالة الأجنبية أحيانا من ظروف معيشية صعبة، هذا لا يعني عدم وجود حالات إيجابيّة في التّعامل مع العمّال، وهي كثيرة.
والضّجيج على عُمان والسعودية، لا يفسر إلّا بحالات على رأسها من يحاول تخريب العلاقات وإيجاد صراع وهميّ بين دول الخليج ذاتها، والفن يبقى رسالة تحتاج للقصة الواقعية من كل جوانبها، بعيدا عن التجريح والإساءات للآخرين، والصورة الوهمية التي يريد كثير من أعداء النجاح وأصحاب الأهواء التلاعب بها، فالإنسان العماني والسعودي والعربي عرف على الدوام بصفاته الأصيلة التي استمدها من تعاليم دينه الحنيف، وتقاليد مجتمعه التي تقوم على الشهامة والكرم والمروءة، وستظل السعودية متمسكة بعاداتها وتقاليدها وماضية في طريقها المستقبلي، ولن تلتفت لأصحاب الأصوات النكرة الذين ينعقون ويهتفون بما لا يعرفون عن مكانة عمان في قلب السعودية والعكس صحيح... والله من وراء القصد.
كاتب ومحلل سياسي عماني