بودي أن أشارك القراء الأعزاء قصة مقولة “حبل الكذب قصير”، كان هناك تاجر غني لديه عشرات من الخدم، وفي يوم من الأيام قام أحدهم بسرقة كيس من النقود، يحتوي ألف دينار، وعند مواجهة الخدم والتحقيق معهم أقسموا أنهم لم يسرقوا المال، وهو ما أربك التاجر، ودفعه إلى التفكير طويلًا، للوصول إلى حيلة ذكية ساعدته على كشف الحقيقة؛ حيث إنه أعطى كل خادم حبلًا طوله نصف متر، وقال لهم: إن حبل السارق سيزيد طوله بمقدار 10 سنتيمترات؛ لذا أمرهم جميعًا أن يأتوا إليه في صباح اليوم التالي، كل واحد بمفرده ومعه حبله، وبالفعل، حضر الجميع في الصباح، ومعهم الحبال التي أعطاها لهم، وهي بذات الطول، ما عدا حبل أحدهم كان أقصر بـ 10 سنتيمترات، ليكتشف حينها التاجر من هو السارق، والذي قص عشرة سنتيمترات من الحبل الذي أعطاه له التاجر؛ لأنه اعتقد أن الحبل سيطول عشرة سنتيمترات كما قال، ومنذ ذلك الحين، انتشرت مقولة “حبل الكذب قصير”. يُضرب هذا المثل للتأكيد بأنه مهما طال الوقت ستكتشف الحقيقة، فالكذب ظاهرة اجتماعية قديمة تفشت بين الناس، وتعد واحدة من الصفات السلبية التي قد تؤدي إلى تأثيرات خطيرة على العلاقات الاجتماعية والنفسية. هذه الظاهرة تتجاوز الكذب الفردي البسيط لتشمل سلوكيات أكثر تعقيدًا، مثل نشر الشائعات أو التضليل، وتظهر في مجالات متعددة مثل العلاقات الشخصية، العمل، وحتى وسائل الإعلام.
ومن أسباب انتشار الكذب الخوف من العقاب، إذ يلجأ العديد إلى الكذب لتجنب العواقب أو للتخلص من مسؤولية ما، و الرغبة في تحقيق مكاسب شخصية حيث يكذب البعض لتعزيز مكانتهم أو لتحقيق أهداف مادية أو اجتماعية، إضافة إلى أن الضغط الاجتماعي يمكن أن يشعر الأفراد بالحاجة للكذب ليصبحوا مقبولين ضمن محيطهم الاجتماعي أو لتجنب الانتقاد. بعض الأشخاص الذين يعانون من نقص الثقة قد يكذبون لتعزيز صورتهم أمام الآخرين، ناهيك عن نشأة بعض الأفراد في بيئات تكرس الكذب كوسيلة لحل المشاكل أو التعامل مع الآخرين.
لاشك أن تأثيرات الكذب كثيرة، فالكذب يدمر الثقة بين الأفراد، سواء في العلاقات الشخصية أو المهنية، ما يؤدي إلى انهيار الروابط الاجتماعية.
كما أن تفشي الكذب بشكل واسع يؤدي إلى خلق مجتمع مليء بالشك وعدم الاستقرار، حيث يصبح من الصعب التمييز بين الحقيقة والزيف.
فقيم الصدق والنزاهة في المجتمع تبدأ من التنشئة الأسرية والمدرسية، ومن خلال برامج تعليمية وإعلامية تُظهر الآثار السلبية للكذب على الفرد والمجتمع. ناهيك عن تقديم الدعم النفسي وتعليم الأفراد كيفية التعبير عن مشاعرهم بصدق دون خوف من الحكم أو الانتقاد. كما أنه من الضروري تطبيق قوانين أو سياسات تشجع على الشفافية والمساءلة في جميع المجالات.
الخلاصة.. قد يتساءل القارئ العزيز عن الرسالة التي يريد أن يوصلها كاتب المقال، وبالطبع هذا من حقه، وفي الحقيقة وجدت أن ظاهرة الكذب بجميع أنواعها متفشية في مجتمعاتنا وكثير من الناس يمارسونها وكأنها شيء عادي جدًا! وقد تزامنت كتابتي المقال مع استلامي حكمة باللغة الإنجليزية عبر وسائل التواصل الاجتماعي تقول “لا تجادل أبدًا مع شخص يصدق أكاذيبه”، فالكثير من الناس يظنون أنهم عندما يكذبون في أي أمر حققوا مكاسب كبيرة ووصلوا إلى مبتغاهم!
في مجتمعاتنا الشرقية وللأسف الشديد ومنذ طفولتنا فإن مبدأ الكذب عندنا من المسلمات، فنرى أولياء الأمور تربي الأبناء على هذا السلوك الخاطئ، فنحن نصر على أن نعطي الطفل معلومات غير صحيحة وبعيدًا عن الشفافية، بل كاذبة! لذا نجد أن الطفل يكبر في العمر ويصاحبه هذا السلوك غير الصحيح. لاشك أن نية الوالدين هي عدم الإفصاح في أشياء معينة ولا يقصدون غير ذلك، لكن المبالغة فيها ستكون سلبياتها كثيرة، لذا فإن تغيير هذه الثقافة في التربية ضرورة.
شخصيا أعتقد أن الكذب، رغم انتشاره، يمكن مواجهته بالوعي والتربية الصحيحة، كما أن تعزيز قيم الصدق يمكن أن يساهم في بناء مجتمع أكثر تماسكًا وثقة بين أفراده. والله من وراء القصد.
كاتب وإعلامي بحريني