العنوان أعلاه هو تصريح لرئيس الوزراء الإسرائيلي: “لقد بدأنا للتو.. وسنعمل على تغيير الشرق الأوسط”، ولمن يعتقد أن إسرائيل تدمر وتحرق غزة، وتقصف حزب الله في لبنان وكذلك سوريا وأحيانا اليمن والعراق، بدون أهداف معينة ومرسومة، فهو “جاهل”، فالشرق الأوسط الجديد هدف إسرائيلي أميركي للسيطرة على موارده وقدراته، والأهداف أصبحت واضحة، فقد استوقفني هذا التصريح كثيرا! فبعد غزة وتحويلها لرماد، واغتيال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين عبداللهيان وإسماعيل هنية، اتجهت إسرائيل بشكل مخيف لدق لبنان، واغتالت قيادات وقيادات “بالبيجر” وبقصف الطائرات حسن نصر الله وبعض قادة حزب الله، بعد سنة من أحداث السابع من أكتوبر التاريخي السياسي المفاجئ الذي أدخل العالم دوامة وأسقط الكثير من الأقنعة حتى تحولت الساحة لنقل الأكاذيب وتبادل التهم، وتركنا إسرائيل التي تخوض الحرب بالوكالة عن العالم الغربي الذي يمدها بالسلاح والمال. مرحلة خطيرة يتضح من خلالها المشهد الاستراتيجي بكل ألوانه وأطيافه، بأن نتنياهو قضى على حل الدولتين بإعلانه هذا التصريح “بناء شرق أوسط ضعيف وتحت السيادة الإسرائيلية”.
إننا نعيش أوهام الحل الدبلوماسي، فالحرب على غزة ليست ضد حماس والحرب في لبنان ليست ضد حزب الله، ومجلس الأمن منذ تأسيسه ينظر للأزمات العربية والإسلامية دون حل، لذلك الوضع العربي يحتاج لحراك ووحدة المصير لكسر حلقة الصراع أولا، وإيقاف المخطط الإسرائيلي ثانيا من خلال الاتفاق مع شركائنا الواقعيين والصادقين الصين وروسيا وبعض الأوروبيين، حفاظا على الأمن والسلم الدوليين. فالجرائم الإرهابية الجديدة لإسرائيل، وما يحدث من ورائها في أغلب الحالات، لا تلامس كبد الحقيقة، فالحقيقة تتجاوز حدود لبنان وفلسطين، فحرب الإبادة في غزة مجرد بداية، والرجوع لما قبل الخامس من يونيو 67 أي ما قبل الاحتلال بالقوة لأراض شاسعة لدول عربية جارة، أصبح حلما في ظل ضعف الموقف العربي.
فالمشروع الصهيوني يدفع للسيطرة على مساحات من دول عربية، ودول وحكومات المنطقة أصبحت أهدافا للكيان الصهيوني الأميركي، والحبل على الجرار، وإذا لم نستفق سيكون مصيرنا مثل الآخرين، والتمسك بمبادرة السلام العربية أصبح أمرا ملحا وضروريا تسبقه وحدة الرأي والاتفاق على بعض النقاط، إذا أردنا إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967 والانسحاب من هضبة الجولان المحتلة مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل جماعيا.
يا أمة محمد، الوقت عصيب، والمشاهد أمامكم، والأحداث متلاحقة ومدمرة، والمصائب والمصاعب تزداد، والمشاهد والضوضاء الذي يحدثه الإعلام الغربي والذباب الإلكتروني أصبح مؤثرا للأسف على البعض، وأصبحنا في حالة الضعف والانكسار والهزيمة، ما لم نتوحد ونتفق على عدم التعامل مع الدول الداعمة لإسرائيل، فمجابهة التحديات والمخاطر تحتاج لقرار شجاع، فالأمن والاستقرار لا يأتي بالخطب والكلمات.
فالأحداث والاغتيالات والتدمير وحرب الإبادة، ليس يقصد بها شيعة أو سنة فقط، بل لتحقيق أهداف الصهاينة وإضعاف قوة العرب والمسلمين، وإيجاد الفوضى الخلاقة والفتن الطائفية.
أدخلوا الصين في تهمة “كورونا” رغم أنه صنيعة أميركية، وأشعلوا حربا بين أوكرانيا وروسيا لإبعاد الروس عن الساحة، وقاموا بالسيطرة على المنطقة والعالم بالقتل والاغتيالات لخلق سايكس - بيكو جديد وخارطة جديدة للشرق الأوسط تتضمن كما يعلنون جماعات عرقية ودينية مختلفة ككانتونات يجمعها إطار إقليمي كونفيدرالي بعد تفكيك النظام الإقليمي العربي، وطمس عروبته للأبد.
إن ما يحدث أمامنا من مشاهد مخيبة للضعف العربي والإسلامي والانتقام الإسرائيلي الممنهج والخطير يوحي بأن الوضع يتطلب فتح صفحة جديدة في العلاقات العربية الإسلامية، والعربية الصينية والروسية، ونسأل الله ألا نخسر الكثير من هذه المعركة وأن لا تطول كثيرا، وأن ندرك جيدا أن هذا المخطط الصهيوني المعلن واقعي وليس مزحة، والثمن سيكون كبيرا جدا ودول أخرى وشعوب ستدخل في التقسيم والتهجير، فكيف ترفض إسرائيل كل القرارات الدولية والمحكمة الدولية، وكيف نصدق الجلاد الأميركي وأميركا هي التي تدعم إسرائيل من الإبرة إلى الدبابة.
ولا تصدقوا يا قادة ويا ساسة أن إسرائيل دولة مهددة في وجودها، ومعرضة للزوال، بل نحن المهددون حقا والمعرضون للتهجير والقتل والإبادة الجماعية.. فوحدتنا هي مصيرنا لكسر أهداف إسرائيل في بناء الشرق الأوسط الجديد كما يحلمون، والعمل على إنشاء نظام عالمي جديد لا تتحكم فيه أميركا، لذا لا يليق بنا في خضم هذا الاستعلاء الإسرائيلي والأميركي أن نتعاتب ونتحاسب، بل علينا وقف الحرب والتهديدات الإسرائيلية، وأن نتخذ موقفا مشرفا كأمة عربية قبل فوات الأوان... والله من وراء القصد.
كاتب ومحلل سياسي عماني