أكثر ما يبعث على الدهشة والاستغراب هو استمرار النمط القديم بكامله على شارع جدعلي التجاري، بالرغم من المخالفات البيئية الواضحة والمكشوفة التي تنقلها الصحافة بين فترة وأخرى، لكن يبدو أن الديمومة الأبدية الثابتة الساكنة تهيمن على الحياة، لهذا لا نرى أي تغير وتحرك من البلديات والجهات المختصة ذات العلاقة حتى ولو في رقعة محدودة أو بين جدران ضيقة.
العشوائية والمخالفات تفتح أمام من يسير في الشارع رويدا رويدا، وبغموض وبطء شديدين، ولا تشعر بأي اهتمام رسمي أو متابعة جزئية هامشية، وكأن ملاحظات الصحافة تتشقق وتتصدع وتتناثر هباء مثل القشرة، مع أن العدو الأكبر للشوارع التجارية العشوائية والفوضى وإرخاء الحبل طويلا لأصحاب المحلات بدون ضوابط.
قبل أيام كنت في سوق الدمام بالمملكة العربية السعودية الشقيقة، ودخلنا شارعا تجاريا مخصصا بالكامل لـ “العبايات” النسائية، شارع يخلو من أية سوبرماركت، أو مطعم، أو خباز، أو حتى مكتبة، وهذا يعني أن هناك قانونا وإلزاما صريحا ومباشرا بعدم دخول محلات وأنماط جديدة في هذا الشارع، أما شارع جدعلي التجاري فقد تحول من مرض متنقل إلى هوس أليم وكوابيس من كوابيسنا الثابتة المعتادة، فبقدرة قادر تحول كراج ملاصق إلى كراج آخر إلى “كافتيريا”.. نقيضان لكل منهما حياة أخرى، ولا نعرف من الذي سمح وأعطى هذا التصريح بأن يكون حرا طليقا لا ذمة عليه، الكافتيريا ترضع التلوث من صميم الكراج وما أكثر ما يقتل قابيل أخاه بيديه، وما أكثر ما يتخلى الإنسان عن جنته خوفا ويؤثر الراحة والسكون.
سؤالي الذي يشبه الأنهر المترعة بماء المحبة إلى الجهات المختصة.. هل من المسموح فتح مطعم ملاصق إلى كراج.. وهل من المعقول أن نتغذى جميعا من شجرة واحدة.
*كاتب بحريني