طالعتنا الصحف المحلية بتصريح لأحد أعضاء المجلس البلدي بالمحافظة الشمالية بشأن موافقة المجلس البلدي للمنطقة الشمالية بالإجماع على مقترح إنشاء متحف لأشجار القرم، ولا أريد أن أطيل على القارئ العزيز في تفاصيل هذا المقترح الذي أجزم أنه لن يرى النور. كما أكد العضو البلدي في تصريحه أن مسؤولية الأعضاء البلديين ليست فقط تقديم الخدمات للمواطنين، إنما تقديم أفكار ومقترحات لمشاريع استثمارية لدفع عجلة التنمية في المحافظة الشمالية.
بدوري أقول وباختصار، على أعضاء المجالس البلدية التركيز على عملهم ومسؤولياتهم المنوطة بهم لا غير، فمن السهل تقديم مئة مقترح، لكن هذا ليس من اختصاصهم، ولا هو أصلًا من صميم عملهم، وأرجو الرجوع إلى اختصاصات المجالس البلدية حسب ما هو موضّح في الموقع الإلكتروني الرسمي لوزارة شؤون البلديات والزراعة. لنكن واقعيين، نحن لا نريد تصريحات لمقترحات غير مدروسة، ولا حتى نعرف تكلفتها والعائد المادي ولا حتى وجود دراسة جدوى لها! فهذه المشاريع الجميلة شكليًّا من وجهة نظركم لا تغني ولا تسمن من جوع، لسبب واحد لا غير هو أنها غير مجدية لأي مستثمر، في المقابل، الحكومة لا تستطيع توفير ميزانية لهذه المشاريع التي ترهق الميزانية العامة للدولة، فعندها من الأولويات ما يكفي. فأنصح بالتركيز على التطوير والتحسين المستمر للخدمات المختلفة المقدمة لأهالي المنطقة، وجزاكم الله خير الجزاء، فأهالي المناطق في جميع المحافظات في المملكة تنتظر منكم الكثير من الأفعال وليس الأقوال.
إن أردنا أن نعرّج أكثر فيما يخص تحقيق التنمية المستدامة وزيادة فعالية الإنفاق الحكومي، فيجب التركيز على تنفيذ مشاريع مجدية وذات أثر إيجابي بدلًا من المشاريع غير المفيدة، فالاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية، الرياح، والطاقة الكهرومائية، لا تساهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري فحسب، بل تساعد أيضًا في توفير فرص عمل جديدة وزيادة الاستدامة البيئية.
كما أن تحسين البنية التحتية الرقمية من خلال توسيع نطاق الإنترنت عالي السرعة سيعزّز الاقتصاد الرقمي، ويفتح الباب أمام الشركات الناشئة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، ويُحسّن الوصول إلى التعليم والخدمات الصحية.
ناهيك عن الاستثمار في الزراعة الذكية من خلال تبني التقنيات الحديثة مثل الاستشعار عن بُعد، الذكاء الاصطناعي، والروبوتات لتحسين الإنتاجية الزراعية، إذ إن هذا النوع من المشاريع يحقق الأمن الغذائي ويقلل هدر المياه والموارد الطبيعية.
كما أنه من الضروري إنشاء وتطوير مراكز تعليم مهني وتقني متقدمة تلبي احتياجات سوق العمل المتغيرة، حيث إن الاستثمار في التعليم التقني يساهم في خلق جيل من الشباب المؤهلين للعمل في القطاعات الصناعية والتكنولوجية.
إن تطوير مشاريع النقل العام المستدامة مثل القطارات الكهربائية والباصات الصديقة للبيئة لا يحسّن جودة الحياة فقط، بل يخفّض أيضًا التلوث واستهلاك الوقود الأحفوري. كما أن تنفيذ برامج لإدارة النفايات بشكل مستدام من خلال إنشاء مصانع لإعادة التدوير وتحويل النفايات إلى طاقة يساهم في حل مشاكل التلوث البيئي ويوفر موارد جديدة.
كما تشجيع الاستثمار في مشاريع السياحة البيئية التي تركز على الحفاظ على الطبيعة وتقديم تجارب سياحية مستدامة، هذا يمكن أن يشكّل مصدرًا جديدًا للدخل ويدعم التنمية المستدامة. بالإضافة إلى أن توفير الرعاية الصحية المستدامة يعتبر من المشاريع المحورية والأساسية للحفاظ على صحة المواطنين.
وتعتبر مثل هذه المشاريع أكثر تأثيرًا على الاقتصاد والمجتمع، وتساهم في تحسين نوعية الحياة للمواطنين.
الخلاصة.. هذه المشاريع والمبادرات الكبيرة والمستدامة ليست من اختصاص المجالس البلدية، فالوزارات والمؤسسات الحكومية هي المسؤولة عن توفير هذه المشاريع والخدمات حسب أولوياتها وميزانياتها المخصصة، حيث إنها تخص جميع مدن وقرى المملكة وليست مقتصرة على محافظة معينة، فالشمولية مطلوبة في مثل هذه المشاريع.
والله من وراء القصد.
كاتب وإعلامي بحريني