التخرج من الجامعة من أجمل وأهم المحطات التي يمر بها الأبناء، لكنه أيضًا يحمل في طياته فرحة لا تضاهى بالنسبة للوالدين، فتخرج الأبناء يمثل ثمرة تعب وجهود طويلة قضاها الآباء في رعايتهم وتوجيههم لتحقيق أحلامهم، ولا شك أنه شعور مفعم بالفخر والاعتزاز، حيث يرون أمامهم تجسيدًا لمستقبل رسموه لهم، وخطوة جديدة في طريق الاستقلال وتحقيق الذات. فعندما يجلس الوالدان في حفل التخرج ويشاهدان أبناءهم يصعدون المنصة تمر أمام أعينهما صور من الماضي، بدءًا بلحظات الطفولة الأولى حتى مشاهد الدراسة المتعبة والاختبارات الصعبة، يشعران وكأنهما يعيدان عيش تلك اللحظات جميعًا، لكن هذه المرة مع شعور بالنصر والإنجاز، فكل لحظة سهر وكل تضحية وكل دعم لا مشروط قُدِّم للأبناء يؤتي ثماره الآن، ويتحوّل إلى شعور بالراحة والأمل بمستقبل مشرق.
فبالإضافة إلى الفخر والاعتزاز، هناك شعور كبير بالامتنان، فالوالدان يعرفان أن هذا النجاح نتيجة تضافر جهود عدة، سواء كان ذلك بدعم الأسرة أو توفيق الله ورعايته، كما يدرك الآباء أن أبناءهم أصبحوا اليوم قادرين على مواجهة التحديات التي قد تقابلهم في الحياة العملية، وهو أمر يطمئنهم ويجعلهم يشعرون بأنهم نجحوا في رسالتهم كآباء، ولا تكتمل فرحة الوالدين دون ملاحظة الفرحة والإشراق في عيون الأبناء، حيث يرون أن جميع التحديات والأوقات الصعبة أصبحت ذكرى عابرة، وتحوّلت إلى نجاح يستحق الاحتفال. باختصار.. فرحة التخرج للأبناء بمثابة شمس تشرق على حياة الآباء وتمنحهم شعورًا عميقًا بالسعادة والرضا عن مسيرتهم، مع يقين بأن أبناءهم يسيرون بخطى ثابتة نحو مستقبل أفضل.
مناسبة هذه المقدمة الطويلة أنني حضرت حفل تخرج ابنتي حديثًا من جامعة (Strathclyde) الأسكتلندية وحصولها على شهادة الماجستير مع مرتبة الشرف في إدارة الأعمال.
شعوري لم يكن شعورًا اعتياديًّا هذه المرة، بل استثنائيًّا، حيث إن هذا الإنجاز لم يكن سهلًا البتة، إذ إنه وكما هو معروف أن أي إنسان إذا توقف عن الدراسة بعد الحصول على شهادة البكالوريوس وانخرط في العمل ودوامة الحياة اليومية، فإنه يتلكأ في المواصلة ويفقد الحماس والشغف للدراسة.
شخصيًّا، حدث لي ذات الموقف عندما بدأت دراسة الماجستير بعد فترة انقطاع طويلة من حصولي على البكالوريوس والتحاقي بالعمل، وفي وقت كان عندي فيه أربعة أبناء صغار، بالإضافة إلى طبيعة عملي التي كانت تأخذ من وقتي الكثير، وحتى بعد الدوام الرسمي. كان الطريق ليس يسيرًا وواجهت صعوبات وتحديات جمة، وكنت على وشك اتخاذ قرار بالانسحاب وعدم المواصلة، ولا أريد أن أخوض في الدوافع! لكن في المقابل عهدت على نفسي أن أواصل هذه المهمة المستحيلة، فأنا أعشق التحدي، والحمد لله تمكنت من الوصول إلى غايتي وتحقيق هدفي والحصول على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة (HULL) البريطانية.
ابنتي على سبيل المثال وليس الحصر، حدث لها نفس الأمر، حيث توقفت منذ فترة بعد تخرجها من الجامعة وحصولها على درجة البكالوريوس. كوني ولي الأمر، عهدت على نفسي إقناعها بمواصلة دراستها العليا، وأعترف بأن المهمة لم تكن سهلة بالنسبة لي، واتبعت معها شتى الطرق والوسائل لإقناعها، ولله الحمد وفقت أخيرًا في هذا السعي وحققت أمنيتي قبل أمنيتها وهي الآن سعيدة جدًّا وتشكرني كثيرًا على هذه الخطوة والنصيحة التي لا تقدر بثمن.
الخلاصة.. أحيانًا نحتاج إلى صبر وإرادة وقوة تحمل لتحقيق طموحاتنا وأهدافنا، ناهيك عن حصولنا على التشجيع والتحفيز وبث روح التفاؤل فينا. ما رأيكم؟.
كاتب وإعلامي بحريني