التوجه هذه المرة نحو محطة جديدة، والغرض من ذلك تعزيز جملة المدارك تجاه العديد من الأمور الاستثنائية التي تهدر طاقة الإنسان دون فائدة حقيقية تذكر. والعجب في ذلك هو التنوع في كمية الجدل ومحاولات الإقناع والاستمالة قدر المستطاع باعتبارها وسيلة اعتبار للنفس وتأثير لدى بعض الأشخاص، وتستخدم خصوصًا في حالة اكتشاف ثغرة تتغلغل منها بعض المشاعر.. وفي الحقيقة فإن معظم حالات الجدل لا تقبل القسمة، وأغلب تلك المحاولات تأتي في محاولة للوصول لتحقيق أهداف وقتية النتائج ومحدودة الأثر، على اعتبار أنها تلامس صانعيها فقط وتتجاهل الآخرين بحجة اتساع الوقت لديهم لعمل ما يشاؤون.
في تلك الحالات والمواقف التي لا تفيد، فإن الجدل خلالها مضيعة لأوقات الكثيرين، وتفتيت للجهود والطاقات، لأنه في الأساس محاولة لتحقيق المكاسب الشخصية من أطراف عدة، عبر اتباع استراتيجية “اسمعوا وعوا” التي تستند إلى فرض القوانين أحادية الاتجاه، وطلب الالتزام بها، وفرض المحاسبة والعقوبة عند التخلف عن أي منها، وقد تلزم تلك القوانين الصارمة جميع الأطراف بالامتثال تحت ضغط وإكراه وتطبيق القوانين دون مشاركتهم في رسم الاتجاه.
لذلك، فإن الفئة التي تعتقد أن الجدل أسلوب مناقشة حضارية، لتوضيح العديد من التوجهات حول القضايا التي تقبل القسمة، هي بالأساس مرحلة تحضيرية لما يمر به الإنسان من تحديات لم يكن يعتبرها وجهًا لما قد يعترضه من رفض الآخرين لأمور عدة قد تعنيه ولا تعنيهم، لذلك يتخذ دور الدفاع بأسلوب الجدل، والذي يتطلب مهارة وإتقانًا لضمان استماع الجميع، وإلا قد تتراكم مواقفه الجدلية مع ذاته، وتهلك صحته النفسية.
والسبب هو أنها لم تمرّر وفقًا للأسلوب الصحيح في المناقشة وتوظيف المهارات الخاصة التي تعتمد على تصحيح المسار في النقاش. لكننا في الحقيقة لسنا بحاجة للانتصار دائمًا، “فكسب القلوب أولى من كسب المواقف”.
* كاتبة وأكاديمية بحرينية