انتهى السيناريو، واتفق الكبار على التنفيذ بعد أن فشلت في الأعوام الماضية كل المحاولات، مسرحية أسقطت سوريا من القائمة، وكسب رهانها الإسرائيلي وأميركا وحلفاؤها، مسرحية لا نعرف نهايتها، هل هي سوريا بوجه جديد ومستقبل واعد، أم سوريا الفوضى والتقسيم!
بعد الإطاحة ببشار الأسد، سلميًّا دون إراقة دماء، حسب المخطط، دخلت الجيوش والمعارضة، حمص وحلب ودمشق، لاستلام القيادة مع ترحيب شعبي، وفي نفس الوقت قام المحتل بالقضاء على ما تبقى من سوريا من خلال شنّه نحو 480 هجومًا على سوريا خلال الـ 48 ساعة، ليقضي على الجيش السوري وأسلحته الاستراتيجية وقوته والبنية التحتية الباقية لبلد عربي، ما يشكّل انتهاكًا لاتفاق فض الاشتباك الذي وقعته إسرائيل وسوريا في عام 1974 وللقانون الدولي. شكلت الحكومة المؤقتة، وأرسلت رسائل بأنها انتقالية حتى الأول من مارس القادم، لكن الفصائل العسكرية التي ساهمت في تنفيذ السيناريو والدول الداعمة لها التي اتفقت على السيناريو والمهمة، ستطلب جزءًا من الكعكة، ولا يمكن استبعاد احتمال نشوب صراعات داخلية، والتي نأمل ألا تتحقق، خصوصًا أن عدة لاعبين داخل وخارج سوريا ينتظرون الاقتراحات الأميركية والروسية في المقام الأول، ومن ثم تركيا وإيران. فلا روسيا يمكن أن تضحي بسوريا دون الحفاظ على أصولها العسكرية في سوريا، ولا أميركا يمكن أن تنسحب من مناطق النفط والغاز، ولا تركيا من تأمين حدودها، وكذلك الصهيوني المستفيد الأكبر، ومن الصعب أن تلعب إيران دورًا قريبًا في سوريا في الوقت الحالي.
باختصار، رغم الانتقال السلس للسلطة بعد الإطاحة بالرئيس السوري دون صراع ومعارك واقتتال وهو من إيجابيات السيناريو العالمي، لكن اختيار رئيس توافقي صنع في الخارج، لن يكون مقبولًا من كل الأطراف المجروحة، أو القلوب المكلومة، خصوصًا بعد أن تكشفت الأمور وسقطت أوراق التوت، فما حدث في سوريا، واتفاق كل الأطراف المشاركة على تحقيق مصالحها في المقام الأول، بعيدًا عن القانون الدولي بدقة متناهية، لا يجعلنا كقادة وشعوب عربية وإسلامية نتجاهل هذه الأحداث وننسى ما يحاك ضدنا.
رفض بشار الأسد كل المحاولات السابقة للتغيير والتجديد والمصالحة، قرار مجلس الأمن 2254، والتطبيع مع إسرائيل، وقيام ثورات الربيع العربي، والإرهاب وداعش، ودعوات كثيرة عربية ودولية منها الإيجابي ومنها السلبي، حتى التنحي عن السلطة أو الانقلاب الشكلي، ولم يجد إجابة على كل استفساراته الأخيرة من حلفائه قبل سقوطه.
ولكل شيء نهاية، إذا ثارت الشعوب لا تنفع الجيوش، ولا حتى مساعدة الحلفاء، فسقطت سوريا لهذه الأسباب، واكتمل الاتفاق على خلع الرئيس الذي يتحمل جزءًا من المسؤولية التي وصلت إليها البلاد والعباد، لذا نأمل أن يكون مستقبل السوريين بيد السوريين أنفسهم اليوم، وأملنا كبير في العقلاء والحكماء بالوقوف ضد الصهاينة ومخططاتهم الخبيثة في المنطقة وفلسطين.
سقوط دمشق لن يتوقف هنا إذا لم نستوعب الدرس، وستظهر الأيام المقبلة الكثير مما لا نعلمه، وربما يتجاوز بكثير ما يعلمه الجميع، فالإرادة القوية للحرية كسرت الظلم والاستبداد، والحرية ليست هبة تمنح، بل حقًّا ينتزع، وكانت أمام بشار فرصة سانحة لكتابة التاريخ لو طبق قرار مجلس الأمن واستمع للعقلاء وليس الحلفاء!
اليوم سوريا الكرامة والحرية أمام تحد قادم، فلا تتنازعوا يا أهل الشام على السلطة، وتشعلوا حربًا أهلية، فالتحديات الإقليمية والدولية كثيرة، وبتر الخلافات المذهبية بالعدل والمساواة، ومحاربة الفقر، هو نجاح ثورتكم إن كنتم أصحابها وقاداتها.
ولا يمكن للدول العربية أن تبقى متفرجة، فيما الأنواء تتلاطم حولها من كل حدب وصوب، خصوصًا أن حكومة ترامب ستكون حكومة مزعجة للجميع من حيث تشكيلتها المعلنة، فالتطورات والتحديات تزداد تعقيدًا، ومع كل هذه الخسائر المتتالية، والوضع يوحي بأن ما حدث في سوريا هو ضمن المخطط الصهيوني الأميركي لإضعاف الدول العربية والسيطرة على ثرواتها الطبيعية.
فمستقبل المنطقة غامض ومجهول، وما افتعلته حكومة نتنياهو بالجيش السوري وتدميره وتشتيته في الأيام الماضية لا يحتاج لتصريحات أو تنظير، فعلى الدول العربية أن تتحد وتقف يدًا واحدة أمام هذا الخطر القادم، ودون تكاتف الجميع فإن الأمر سينتقل رويدًا رويدًا لدول أخرى، وسيسمح للقوى المعادية في الاستمرار في هجومها ومخططاتها، فالأطماع ليست في سوريا وأمنها واستقرارها فقط، إنما ما بعد سوريا.
لذا على الحكومة السورية الجديدة والشعب، أن يدركوا جميعًا أن هذه الحرب والتصعيد، لتفكيك اللحمة الوطنية وخلق الفتنة، وصب الزيت على النار، فعليهم أن يدركوا تمامًا أن تضامنهم ومواجهة أعدائهم هو طريق النصر، وأن الحوار الصادق والسياسي يبدأ من داخل دمشق عن طريق الجلوس على طاولة واحدة، فالمسؤولية جسيمة، ومهما كان حجم التنازلات والتقارب لمصلحة الوطن، فكونوا يدًا واحدة ضد أعدائكم حتى لا تتحوّل بلادكم إلى أرض محروقة كما يحدث الآن في دول أخرى في المنطقة والعالم، فهل انتهت المسرحية أم للقصة بقية يا أهل الشام، فالقرار في أيديكم وحكمتكم، وكما يقال في الأمثال “إذا ما تحزمت طاح وزارك” واللبيب بالإشارة يفهم... والله من وراء القصد.
كاتب ومحلل سياسي عماني