العدد 5911
الجمعة 20 ديسمبر 2024
سنغافورة... مثالًا
الجمعة 20 ديسمبر 2024

 تعد تجربة سنغافورة واحدة من أبرز النماذج العالمية في مجال تنظيم المرور وتطوير البنية التحتية وأنظمة النقل المتكاملة. إذ استطاعت سنغافورة، رغم صغر مساحتها والكثافة السكانية العالية، أن تحقق قفزة نوعية في هذا المجال بفضل تخطيطها الاستراتيجي واعتمادها على التكنولوجيا والسياسات المبتكرة. ومن أهم عوامل نجاحها في تنظيم المرور والبنية التحتية هو نظام التسعير الإلكتروني للطرق (ERP)، إذ يعتمد هذا النظام على رسوم مرور ديناميكية يتم تحديدها حسب أوقات الذروة والازدحام. ويهدف هذا النظام إلى تقليل حركة المرور في المناطق المزدحمة وتشجيع استخدام وسائل النقل العام. كما وضعت الحكومة قيودًا صارمة على امتلاك السيارات الخاصة من خلال فرض رسوم تسجيل مرتفعة ونظام شهادات استحقاق السيارة (COE).

 كما أنها تمتلك شبكة متقدمة من وسائل النقل تشمل المترو (MRT)، والحافلات، وسيارات الأجرة. وتتسم هذه الشبكة بالكفاءة والاعتمادية، ما يجعلها الخيار المفضل للمواطنين. فقد تم تصميم نظام النقل ليكون متكاملًا، حيث يمكن للمستخدمين الانتقال بسهولة بين القطارات والحافلات باستخدام بطاقات ذكية موحدة مثل بطاقة “EZ-Link”. وتعتمد سنغافورة على أنظمة مراقبة متقدمة تتضمن الكاميرات والحساسات لتحديد الأنماط المرورية والتعامل مع الحوادث بسرعة. فالتجربة السنغافورية تثبت أن التخطيط المتكامل، والاستثمار في التكنولوجيا، وتشجيع النقل العام.. مفاتيح النجاح في إدارة النقل والبنى التحتية، ويمكن الاستفادة من هذه التجربة من خلال اعتماد استراتيجيات مشابهة تتناسب مع الاحتياجات المحلية. 

مناسبة هذه المقدمة هي أن الصحف المحلية طالعتنا بخبر مقتضب عن زيارة وفد من وزارة الأشغال إلى جمهورية سنغافورة بهدف الاستفادة من تجربتها في تخطيط الطرق لتنظيم الحركة المرورية، وفي استخدام التقنيات الحديثة لتنظيم تدفق حركة المرور، وإدارة الاختناقات المرورية، وتخطيط شبكات الطرق، وتعزيز أنظمة النقل المتكاملة، واستراتيجية تخطيط الأراضي، وتنسيقها مع تخطيط الطرق والبنية التحتية، بجانب زيارة مركز أنظمة النقل الذكية، والاطلاع على التقنيات المستخدمة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في تنظيم تدفق حركة المرور، وتقليل الازدحام، خصوصًا خلال ساعات الذروة.

لاشك أن من يقرأ الخبر سيدرك ضغط جدول الزيارة القصيرة للاطلاع على أحدث التقنيات الحديثة في هذا المجال، ولابد هنا أن نشيد بهذه الخطوة التي أعتبرها خطوة في الاتجاه الصحيح، وكنت شخصيًّا أطالب بها على الدوام في مقالاتي السابقة، فزيارة الدول التي لها تجارب ناجحة في جميع المجالات سواء الدول المتقدمة أو دول الخليج مهمة جدًّا ولا ضير من استنساخها.

نحتاج إلى ابتعاث كوادرنا الوطنية إلى تلك الدول ليس لعدة أيام فحسب، بل حضورهم الميداني لمدد زمنية طويلة على شكل دورات تدريبية عملية، وعلى الرغم من أن كوادرنا الوطنية تمتلك المؤهلات العلمية العالية والخبرة الكافية، إلا أنهم في الوقت نفسه يحتاجون أيضًا إلى تحديث وتطوير قدراتهم ومهاراتهم الفنية من خلال التحاقهم بالعمل في المجال نفسه في تلك الدول التي تسبقنا في مجالات مختلفة.

في المقابل، التنسيق مطلوب مع الوزارات والجهات الحكومية المعنية الأخرى بهدف تحقيق الاستفادة القصوى والعلامة الكاملة من هذه الزيارة، فمبادرة وزارة الأشغال رائعة ومقدرة.

أتمنى أن تكون هناك خطة عمل واضحة وشاملة لجميع القطاعات الحكومية لزيارة أية دولة تمتلك خبرات وتجارب ناجحة في مختلف المجالات.

*كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .