في عالم يموج بالأزمات والنزاعات، باتت الوساطة الدبلوماسية الخليجية نموذجًا يُحتذى به في السعي نحو الاستقرار وحل الأزمات الإقليمية، وبفضل مكانة الدول الخليجية الاقتصادية والسياسية استطاعت أن تصوغ سياسة خارجية مبنية على الحوار وتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة، وتجلّى هذا الدور في العديد من المحطات البارزة التي أكدت أن الخليج أصبح لاعبًا رئيسًا في الدبلوماسية الإقليمية والدولية.
على سبيل المثال، قادت المملكة العربية السعودية جهودًا حثيثة في تهدئة الأوضاع في السودان، حيث استضافت جولات الحوار بين الجيش وقوات الدعم السريع في جدة في محاولة لوقف إطلاق النار وتوفير الممرات الإنسانية للمدنيين المتضررين، وعكست هذه الوساطة التزام الرياض بالحلول السلمية ومعالجة التداعيات الإنسانية للصراع، وفي سياق آخر، كان للاتفاق السعودي - الإيراني برعاية صينية أثر بالغ في تهدئة التوترات الإقليمية وإعادة رسم ملامح العلاقات في المنطقة، وهو ما انعكس إيجابًا على ملفات مثل الأزمة اليمنية، حيث شهدت المحادثات الجديدة أجواء أكثر تفاؤلًا.
ولا يمكن تجاهل الدور البارز لمملكة البحرين، حيث لعبت دورًا مهمًّا في دعم مبادرات الاستقرار الإقليمي، وكانت داعمًا قويًّا للمصالحة الخليجية، وعملت على تقوية الشراكات الأمنية والسياسية مع جيرانها لاحتواء الأزمات، كما ركزت على دعم جهود مكافحة الإرهاب والتطرف، وهو ما انعكس في مبادرات إقليمية مشتركة عززت الأمن في المنطقة.
وإلى جانب المملكة، لعبت دولة قطر دورًا محوريًّا في تعزيز الوساطة الإقليمية والدولية، وبذلت جهودًا في تسهيل الحوار بين الأطراف المتنازعة، حيث لم تتوقف عند القضايا الإقليمية بل امتدت إلى أزمات دولية أثبتت نجاحها في الوساطة بين الولايات المتحدة وطالبان إلى دورها الأخير في إطلاق سراح رهائن في سياقات معقدة، ما أسهم في بناء جسور الثقة حتى في أكثر النزاعات تعقيدًا.
الكويت بدورها، حافظت على موقعها كدولة حيادية ووسيط موثوق في الأزمات الإقليمية، فقد لعبت دورًا كبيرًا في دعم جهود المصالحة الخليجية، وهو دور استمر في تعزيز التماسك الخليجي بعد توقيع اتفاق العلا في 2021. وعلى الصعيد الإنساني، تبنّت الكويت مبادرات عديدة لدعم الدول المتضررة من النزاعات حيث استضافت مؤتمرات المانحين لدعم الشعب السوري واليمنيين، ما عزّز مكانتها كدولة راعية للحلول السلمية والتنموية.
بالإضافة للقضية الفلسطينية التي كانت ولا تزال محورًا أساسيًّا للسياسة الخليجية، ظلت دولة الكويت مدافعة بقوة عن حقوق الفلسطينيين في المحافل الدولية مستغلة عضويتها في مجلس الأمن لتسليط الضوء على معاناتهم.
أما الإمارات، فقد تميزت بسياسة خارجية نشطة تدعم الوساطة والدبلوماسية الاقتصادية شملت العمل على تعزيز الحوار بين الأطراف السودانية، بالإضافة إلى جهودها في دعم الاستقرار في ليبيا عبر لقاءات جمعت أطراف النزاع، كما ساهمت في جهود تهدئة التوتر بين الهند وباكستان من خلال دعم الحوار بين البلدين في مراحل حساسة، وفي الوقت نفسه لم تتوانَ عن تقديم الدعم الإنساني والمادي مركزة على مشاريع البنية التحتية والتنموية في الأراضي الفلسطينية.
وفي سوريا، مثلت الأزمة اختبارًا للدبلوماسية الخليجية، والتي ركزت على الجوانب الإنسانية والسياسية، فالكويت كانت رائدة في استضافة مؤتمرات المانحين، ما ساعد في جمع مليارات الدولارات لدعم النازحين واللاجئين السوريين، وقطر والسعودية بدورهما دعمتا الجهود السياسية لتوحيد سوريا والدفع نحو حل سياسي يضمن إنهاء الصراع وإعادة بناء سوريا كدولة مستقرة.
الوساطة الخليجية بجميع أبعادها تؤكد دائمًا أن المنطقة لا تفتقر إلى قوى قادرة على إدارة أزماتها، من فلسطين إلى السودان، ومن اليمن إلى لبنان وسوريا، حيث أثبتت دول الخليج نجاحًا مشهودًا له من الجميع في تقديم نموذج دبلوماسي متوازن يعكس رؤية استراتيجية لبناء مستقبل أكثر استقرارًا وأمنًا لشعوب المنطقة وهذه الجهود ليست مجرد ردود فعل بل تعبير عن رؤية طويلة الأمد تسعى إلى تحويل التحديات إلى فرص لبناء شرق أوسط أكثر أمنًا وازدهارًا.
كاتب بحريني