في لفتة حضارية رائعة تعكس قيم الاحترام والمسؤولية الاجتماعية، قام مشجعو المنتخب البحريني بتنظيف المدرجات بعد نهاية مباراة منتخبهم الوطني مع منتخب اليمن. هذه المبادرة التي حظيت بإعجاب واسع على المستويين المحلي والدولي، تظهر مدى وعي الجمهور البحريني وإدراكه دوره في الحفاظ على البيئة والمرافق العامة، وتجسّد هذه الخطوة نموذجًا إيجابيًّا يُحتذى به في الملاعب الرياضية، حيث يتجاوز التشجيع حدود المباراة ليصبح سلوكًا مدنيًّا يساهم في تعزيز روح التعاون والمسؤولية. هذه المبادرة ليست جديدة على الجماهير الرياضية العالمية، إذ بدأت تنتشر في العديد من البلدان، لكنها تؤكد أن الأخلاق الرياضية ليست محصورة فقط في أداء اللاعبين داخل الملعب، بل تشمل أيضًا سلوك الجماهير خارجه.
هذا التصرف يعكس القيم البحرينية الأصيلة، والتي ترتكز على الاحترام والتقدير، كما أنه يسهم في تقديم صورة مشرقة عن الرياضة البحرينية على الساحة الإقليمية والدولية. فمثل هذه المبادرات تعزز أهمية الرياضة كوسيلة لبناء المجتمعات ونشر القيم الإيجابية. لا أجد هنا غير أن أرفع القبعة إلى هذا الجمهور البحريني أو الإنسان البحريني الذي يثبت في كل محفل أنه مثال يحتذى. شخصيًّا كنت وما زلت أنادي في مقالاتي بالتقليد الأعمى شريطة أن يكون التقليد إيجابيًّا وصحيحًا، وليس مجرد تقليد لا يجلب الفائدة المرجوة، بل ربما يكون مضرًّا على الإنسان ومجتمعه.
لقد عودتنا الجماهير اليابانية على سبيل المثال الالتزام بقواعد السلوك الأخلاقي والقيم الاجتماعية من خلال ممارسة تنظيف المدرجات بعد كل مباراة، وكنا نضرب فيهم المثل الأعلى في هذه الممارسات الراقية، وها نحن اليوم نقدم للعالم تجربة رائعة من هذا التصرف الراقي.
وللأمانة فإن مقطع الفيديو الذي انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي كان مؤثرًا جدًّا، وأنا على يقين بأنه لاقى استحسان وتقدير الجميع، ليس في دول الخليج فحسب، بل جميع دول العالم.
أحيانًا يكون تأثير الممارسات أو التصرفات والسلوكيات الجيدة والإيجابية التي تصدر بشكل عفوي وتلقائي أكبر وبشكل مباشر وبصدى إيجابي كبير على الدولة، بدل الكثير من الحملات الإعلانية التي تكلف مبالغ باهظة الثمن وليست لها قيمة مضافة.
كنت أتمنى استغلال دورة كأس الخليج العربي بصورة أفضل إلى جميع دول العالم بإعطائهم دروس في أخلاق ورقي شعوب دول الخليج، إذ ظهرت بعض التصرفات غير الحضارية من قبل بعض اللاعبين والإداريين والجماهير، ما يؤثر سلبًا على سمعة هذه البطولة الخليجية التي تنتظرها الشعوب الخليجية بشغف. فهذه الدورات لها جمهورها وقاعدتها الكبيرة، فمن المهم استغلالها إعلاميًّا لإعطاء العالم الصورة المشرفة والمشرقة لشعوب دول الخليج.
لا شك أن هناك عدّة عوامل تؤثر في فعالية عملية التقليد، إذ تعدُّ جاذبية النموذج المقلَّد واستحسان الفرد المقلِد لهذا النموذج من أهمها، وهو الأمر الذي يمكن استغلاله في إكساب الأطفال مثلًا منظومة قيمية سليمة عن طريق توفير نماذج مرغوبة يقتدون بها، كما يلعب عامل التشابه بين الفرد والنموذج الذي يسعى لتقليده دورًا في ذلك، وهو الأمر الذي قد يدفع الأفراد لتقليد الأمم الأخرى فيما يتقدمون به من علوم وابتكارات لتكون سببًا في تسهيل الحياة وتحسينها، بالإضافة إلى إمكانية أن يكون التقليد الناتج من مراقبة سلوك الآخرين – الجيّد - في بيئته المحيطة هو سبب إكسابه ما يرغب به من عادات مستقبلًا.
مع تمنياتي للجميع بالصحة والسعادة بمناسبة حلول العام الميلادي الجديد.
كاتب وإعلامي بحريني