العدد 5930
الأربعاء 08 يناير 2025
اللغة العربية بين الحضور العالمي والمستقبل المأمول
الأربعاء 08 يناير 2025

 سعدت كثيرًا وأنا أتلقّى دعوة من أخي الدكتور يحيي آل داوود الملحق الثقافي للمملكة العربية السعودية في سلطنة عمان، لحضور الجلسة الحوارية حول “اللغة العربية والذكاء الاصطناعي”.. تعزيز الابتكار مع الحفاظ على التراث الثقافي، بالتعاون مع النادي الثقافي العماني، والتي تأتي في إطار اهتمام مجمع الملك سلمان العالمي باللغة العربية التي تعد أهم لغة عالمية والاحتفال باليوم العالمي للغة العربية.
واللغة العربية لها أهمية ثقافية من قبل الأمم المتحدة، حيث أقرّت في عام 1973 ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة، كونها إحدى اللغات الأكثر انتشارًا واستخدامًا في العالم، هذا الاحتفال نابع من كونها لغة الضاد والدين والعلم والأدب والسلام، والتي أسّس من خلالها الحوار بين الثقافات المختلفة. لذا فإن احتفال الملحقية الثقافية السعودية والنادي الثقافي العماني نابع من هذه الأهمية، حيث يبلغ عدد الناطقين بها أكثر من 450 مليون شخص، وتتمتع بصفة لغة رسمية في أكثر من 25 دولة أعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكان لعنوان الحوار دور كبير في دعم عدد الحضور والمشاركة، كونها مناسبة لاستكشاف توافق اللغة مع الذكاء الاصطناعي، مع تعزيز حضور اللغة العربية على شبكة الإنترنت، ودعم الابتكار وتشجيع الحفاظ على التراث العربي وأهميته للعالم والثقافات المختلفة في الشرق والغرب. 
فاللغة العربية ليست لغة عادية، بل هي لغة سادت قرونًا طويلة من تاريخها بوصفها لغة السياسة والعلم والأدب والثقافة والتواصل، لذا أثرت تأثيرًا مباشرًا أو غير مباشر في كثير من اللغات التي أخذت من العربية مفردات وكلمات تستخدم فيها مثل الفارسية والسواحيلية والإسبانية.
 لذا، نرى أن متحدثي اللغة العربية ليسوا مقتصرين على الوطن العربي، بل وصلت للدول المجاورة لأهميتها وانتشارها مثل تركيا وإيران وبعض الدول الأفريقية والآسيوية لأنها لغة القرآن ولغة الضاد التي أتاحت للبشرية كلها إقامة الحوار من خلال التواصل الثقافي على طول المسالك البرية والبحرية لطريق الحرير من سواحل الهند إلى القرن الأفريقي.
اللغة العربية هي التي شكلت الهوية العربية بين الدول بسبب تأثيرها على الثقافة والمجتمع، واليوم الاحتفال بهذه اللغة يأتي لتعزيزها بين الأجيال كلغة مهمة في الدراسات والتواصل والمخاطبات الرسمية، ولتبقى قوية ومهمة وسط التحولات السريعة التي تشهدها المجتمعات بدخول اللغة الإنجليزية على الخط، حيث أصبحت جزءًا من حياة الشباب في بعض الدول، وتحقيق التوازن بين استخدام اللغات الأخرى والحفاظ على اللغة العربية أصبح مهمة وطنية لتعزيز مكانتها وحمايتها لضمان استمرار دورها في تشكيل الهوية العربية.
 فلغة الضاد اهتم بها علماؤنا ومشايخنا منذ قرون في كتاباتهم وإصداراتهم وأشعارهم، لذا من المهم جدًّا أن نحافظ عليها نحن الجيل الحالي بإدخالها في مجال البحث العلمي والأكاديمي بدلًا من الاعتماد على المجلات الأجنبية والنشر باللغة الإنجليزية في المؤسسات الأكاديمية العربية، حتى ولو أصبحت اللغة الإنجليزية لغة العلوم العالمية.
فالمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان تقومان بالعديد من الخطوات المميزة لدعم لغة الضاد، ليس فقط في يومها العالمي، إنما على مدار العام، ومجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يقوم بالعديد من الفعاليات كونها لغة حية وإحدى اللغات السبع المتاح تعليمها في المدارس الرسمية الأوروبية والعالم.
الاعتزاز باللغة العربية مسؤولية كبيرة، وعلى الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي اعتمادها كلغة بحوث أكاديمية ليعزز مكانتها ويضمن استمرارية قدرتها على مواكبة التطورات العلمية. ولا شك أن احتفال الملحقية الثقافية السعودية والنادي الثقافي في سلطنة عمان بها كظاهرة ثقافية وتراثية يجسّد هذا المعنى العظيم لمكانتها وأهميتها والحفاظ عليها، وقد نوّه الله تعالى في كتابه العزيز في مواضع عديدة بمكانة اللغة العربية وعظم شرفها، بأن جعلها لغة القرآن الكريم، وآخر الكتب السماوية التي أنزلها سبحانه لهداية البشرية، قال عز وجل: “إنا أنزلناه قرآنًا عربيًّا لعلكم تعقلون”.
وهذا امتنان من الله تعالى على عباده بأن أنزل إليهم القرآن الكريم باللغة العربية، كونها أبلغ اللغات، وأحسنها فصاحة وجمالًا، وتكفل الله بحفظها، لتصبح لغة باقية خالدة وأجمل اللغات وأكثرها انتشارًا وتأثيرًا.. والله من وراء القصد.

كاتب ومحلل سياسي عماني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .