العدد 5952
الخميس 30 يناير 2025
انسحاب الحبتور.. أزمة لبنان وحلول جذرية
الخميس 30 يناير 2025

“لبنانُ... يا قطعةَ السماء”، هكذا قالت السيدة فيروز التي جسّدت في أغانيها روح لبنان وجماله، لتصبح صوتًا خالدًا يُعبر عن حب الوطن وألمه يعيش أزمة وجودية تهدد كيانه بأكمله، الأزمات المتراكمة من انهيار العملة إلى تفاقم الفقر وغياب الاستقرار جعلت من هذا البلد الذي كان يومًا لؤلؤة الشرق ساحة للفوضى واليأس.
قرار مجموعة الحبتور بالانسحاب من لبنان وبيع ممتلكاتها هو صفعة قوية تعكس عمق الأزمة وفقدان الثقة بمستقبل هذا البلد، هذا القرار ليس مجرد انسحاب استثماري، بل مؤشر على أن لبنان لم يعد قادرًا على توفير الحد الأدنى من الشروط التي تجعله بيئة جاذبة للاستثمار الذي يحتاج إلى استقرار سياسي وأمني وقوانين واضحة، وحماية للمشاريع، هذه الأمور غائبة تمامًا في لبنان اليوم، ولكن رغم كل هذا الظلام لا يزال هناك بصيص أمل. لبنان يمتلك مقومات النهوض بدءًا من شعب عظيم يتمتع بعزيمة وإبداع نادرين وصولًا إلى موقعه الاستراتيجي الذي يمكن أن يعيد له مكانته كجسر بين الشرق والغرب ولكن تحقيق هذا الأمل يتطلب إرادة سياسية حقيقية وإصلاحات جذرية لا تقبل التأجيل.
أولًا، يجب إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية بشكل كامل، مع تعزيز الشفافية ومحاربة الفساد بلا هوادة حيث لا يمكن بناء دولة قوية دون مؤسسات قادرة على تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، ودون قضاء مستقل يحمي الحقوق ويحقق العدالة.
ثانيًا، يجب تعزيز سيادة القانون على كامل أراضي الدولة، بعيدًا عن النفوذ السياسي والطائفي الذي شل البلاد لسنوات فلبنان بحاجة إلى نظام قضائي مستقل يعيد الثقة بين الدولة والمواطنين ويضمن أن القانون هو المرجعية الوحيدة في حل النزاعات.
ثالثًا، يجب إعادة بناء العلاقات مع الدول العربية والمجتمع الدولي حيث لا يمكن للبنان أن يبقى ساكنًا لمدة طولة في عزلته بل يحتاج إلى دعم إقليمي ودولي لإعادة الإعمار والتنمية والتعاون مع الدول الصديقة يمكن أن يوفر الدعم اللازم لإنعاش الاقتصاد وإعادة بناء البنية التحتية. 
رابعًا، يجب إطلاق خطة اقتصادية طارئة تعيد الثقة بالعملة المحلية وتوفير فرص للعاطلين عن العمل ودعم القطاعات الإنتاجية التي يمكن أن تكون رافعة للاقتصاد مثل الزراعة والسياحة والصناعة وهذه الخطة يجب أن تكون مدعومة بإصلاحات هيكلية تعيد التوازن إلى المالية العامة وتحد من الهدر والفساد.
خامسًا، يجب إطلاق حوار وطني شامل يضم جميع الأطراف السياسية والاجتماعية؛ بهدف وضع رؤية مشتركة لمستقبل لبنان وهذا الحوار يجب أن يتجاوز الخلافات الطائفية والسياسية وأن يركز على المصالح العليا للبلاد.
لبنان لا يستحق أن يكون ساحة للصراعات الخارجية، وشعبه الذي صمد طويلًا يستحق حياة كريمة ومستقبلًا آمنًا فالأمل في لبنان مازال قائمًا ولكنه لن يتحقق بالانتظار أو الشعارات بل بالعمل الجاد والمسؤول من قبل القيادات السياسية والشعب على حد سواء هذه اللحظة العصيبة يمكن أن تكون بداية لنهضة حقيقية تعيد لهذا البلد مكانته التي لطالما استحقها.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .