الابتكار ليس مجرد فكرة جديدة أو كلمة طنانة أو ترند يتداول هنا وهناك أو مصطلح يستخدم في جلسات الكوتشينج، بل هو فعل جاد يتطلب جرأة وشجاعة حقيقية، وقدرة قد تصل إلى “الملكة” على رؤية التفاصيل بمنظور مختلف غير تقليدي، والأهم من ذلك الخروج من منطقة الراحة وتحدي الوضع الراهن لخلق تغيير حقيقي ورؤية المشاكل كفرص للتطور والابتكار. وأنا متأكد أن كل مبتكر يدرك تمامًا ما أريد قوله بأن الابتكار ليس طريقًا معبَّدًا بالورود، بل هو رحلةٌ طويلة مليئة بالتحديات والمخاطر، تتطلب شجاعة لمواجهة الفشل والمضي قدمًا.
الشجاعة الحقيقية في الابتكار
ما لا يدركه الكثيرون بأن ليس كل من يحمل فكرة مبتكرة قادرًا على تنفيذها، لأن الطريق إلى الابتكار مليء بالعقبات. الشجاعة الحقيقية هي أن تؤمن بفكرتك حتى عندما لا يؤمن بها أحد، وأن تستمر في المحاولة حتى عندما تبدو النتائج بعيدة المنال أو غير معقولة وأن تثق في رؤيتك حتى لو كانت مختلفة عن كل ما هو سائد، وأن تكون مستعدًّا لتحمل المخاطر في سبيل تحقيق شيء جديد ونوعي. لذا، عندما نتحدث عن الابتكار، فإننا لا نتحدث فقط عن تكنولوجيا أو منتجات جديدة، بل نتحدث عن شجاعة الإنسان ذاته في مواجهة المجهول، وعن إرادته في تحويل التحديات إلى فرص. وهذا بالضبط ما يجعل الابتكار قصة إنسانية تستحق تسليط الضوء عليها وسرد تفاصيلها.
قصة نجاح بحرينية ملهمة
لدي قناعة راسخة بأن الابتكار ليس حكرًا على أحد أبدًا. إنه متاحٌ لكل من يمتلك الشجاعة لرؤية الأشياء بشكل مختلف، والعزم على تحويلها إلى واقع. وهذا ما أدركته تمامًا من خلال عملي كمدير للاابتكار في شركة بحرينية استطاعت أن تبتكر وتنفذ ما لم تستطع كبرى الشركات تحقيق ذلك الإنجاز بذاتها، ليس في البحرين فحسب، بل في المنطقة بشكل عام. هذا الإنجاز لم يكن ليتحقق لولا العقول البحرينية التي عملت بجدٍ وإصرار، وواجهت التحديات بشجاعة حقيقية مكنتها من تخطي جميع العقبات وتحقيق الاستدامة بإمكانيات متواضعة مقارنة بإمكانيات الشركات الكبرى. بكل ثقة، أستطيع القول إن هذا الإنجاز يعكس عقولًا أثبتت أن الابتكار هو تجسيد للشجاعة، وأن الإصرار هو الطريق نحو الاستدامة، وأن التحديات هي فرصٌ للتطوير.
من المحلية إلى العالمية: نماذج ملهمة للشجاعة الابتكارية
أنا شخصيًّا لا أستسيغ الثرثرة الأكاديمية والتنظير كثيرًا. لذا، أردت أن تكون هذه المقالة وسيلة لإيصال فكرة عميقة ونموذج واقعي يعكس القواسم المشتركة بين المشاريع الابتكارية والنوعية. ومن أبرز الأمثلة الراهنة على هذه الشجاعة هو نموذج الذكاء الاصطناعي الصيني ‘DeepSeek’ في وقت كانت فيه الشركات الكبرى مثل ‘ChatGPT’ تتصدر المشهد، جاء ‘DeepSeek’ ليثبت أن الابتكار لا يعرف الحدود الجغرافية أو التكنولوجية. ورغم التحديات التقنية والمنافسة الشديدة، استطاع هذا النموذج الصيني تقديم حلول مبتكرة تختلف عما هو موجود في ساحة الذكاء الاصطناعي من حيث الكيفية والتكلفة وحتى حجم التوقعات والنتائج. وما يميز ‘DeepSeek’ ليس فقط قدرته على المنافسة، بل رؤيته التي تجاوزت تحديات الآخرين، معتمدًا على فهم أعمق للمشكلة وإيجاد حلول بديلة ومرنة، استطاع من خلالها تحطيم كل التوقعات والتقديرات. ما كان أحد ليتوقعه، أو حتى ليترك مساحة ضئيلة للخيال، عند مقارنة إنجازه البالغ 6 ملايين مقابل 500 مليار في إنتاج مشروع بهذا المستوى. وأترك بقية التفاصيل للقارئ وعمق استقرائه لها.
التساؤل الأهم
ولا أريد أن أخوض في نقاشات تقنية أو اقتصادية أو حتى جيوسياسية، والتي قد تبعدنا عن جوهر هذه المقالة. لكني أريد أن أضع إطارًا واضحًا لفكرة محددة، وهي أن التفكير بمنظور مختلف وجاد وجريء قادر على خلق الفرص وتجاوز التحديات، وإثبات حقيقة إمكانية النجاح ليس على المستوى المحلي فحسب، بل على المستوى العالمي أيضًا. فالكثير من المشاريع المبتكرة حققت نجاحاتها بذاتها، بدون دعم سخي أو ميزانيات ضخمة أو عدد كبير من الموظفين أو عقول أجنبية.
فكيف لو توافرت عوامل النجاح الحقيقية؟ أو تم تعزيز فرص الاستدامة لهذه المشاريع أو الطاقات؟ حينها ستكون قادرة على الانطلاق إلى آفاق غير مسبوقة، قد تصل إلى العالمية، لتصبح رمزًا يمثل ليس فقط الشركة التي ابتكرته، بل أيضًا الوطن الذي احتضنه. هذه المشاريع أو العقول يمكن أن تتحول إلى ترجمة حية لرؤية وطنية طموحة تسعى إلى الاستثمار في التكنولوجيا والمعرفة، وتعمل على إلهام الأجيال القادمة للسير على النهج نفسه وتطويره بما يحقق تطلعات مستقبلية عميقة.
العقول الجريئة
في نهاية المطاف، أنا على يقين بأنه عندما تتوافر مقومات النجاح الحقيقية لمشاريعنا وطاقاتنا الوطنية المبدعة، سنشهد إنجازات قد تبدو كالمعجزات. فالابتكار ليس امتيازًا للنخبة أو حكرًا على الشركات الكبرى، بل هو قوة كامنة داخل كل شخص يجرؤ على التفكير خارج الصندوق والعمل الجاد المخلص. الإنجازات الكبرى تتحقق عندما تتوافر الشجاعة والإصرار على تحقيقها، مع توفير الدعم المستدام. التحدي الحقيقي يكمن في القدرة على الإجابة عن الأسئلة الصعبة بحلول وإجابات غير تقليدية، وهو جوهر العقلية الابتكارية التي تقود إلى التغيير. لذا، في ريادة الأعمال، لا يقتصر الابتكار على توليد الأفكار فحسب؛ بل يتطلب شجاعة لاختراق حدود المألوف وتحدي الوضع الراهن، والانتقال من مرحلة إثبات الإمكانية إلى مرحلة الفاعلية والوجود الحقيقي لهذا الابتكار، والأهم من ذلك، ضمان استدامته.
بالعزيمة والشغف، يمكننا - أنا وأنت وكل من يشاركنا روح الابتكار - أن نتخطى الحدود ونحوّل الأفكار إلى واقع ملموس. فلتكن شجاعتنا الابتكارية هي الوقود الذي يدفعنا نحو اقتصاد أقوى وإمكانات علمية ومعرفية متقدمة، قائمة على فكر وقدرات وطنية 100 %. سنكون بذلك شهودًا على قوة الطموح وإرادة التغيير، وعلى عظمة ما يمكننا تحقيقه معًا. لن تكون إنجازاتنا مجرد نجاحات فردية، بل ستكون نجاحات تتجاوز الحدود الوطنية وصول للعالمية.