في يومنا هذا، الكل يتحدث عن التطبيقات أو المشاريع الإلكتروني، والكل يحلم بأن يكون صاحب المشروع القادم الذي يغير قواعد اللعبة في السوق. لكن الأمر الأهم هو أن الفكرة وحدها ليست كافية! فحتى أفضل الأفكار لن تنجح دون أن تكون في أيدٍ قادرة على تنفيذها بذكاء.
كم من أفكار مميزة انتهت في طي النسيان، وكم من أفكار بسيطة تحولت إلى نجاحات حقيقية؟ السر ليس في الفكرة نفسها، بل في كيفية تنفيذها. الفكرة تحتاج إلى ذكاء في التنفيذ، وتطوير مستمر، وقدرة على التكيف مع تحديات السوق بمرونة واحترافية.
السؤال الأهم: من سينفذ مشروعك؟
قبل أن تبدأ مشروعك، اسأل نفسك هذا السؤال المصيري: من سينفذ مشروعي؟
هذا السؤال يمثل الفارق بين النجاح والفشل. عندما تبدأ الخطوة الأولى في تحويل فكرتك إلى مشروع فعلي، ستواجه ثلاث فئات من المنفذين لمشروعك:
المنفذ الآلي: هذا النوع من المنفذين لن تتعب في البحث عنه أبدًا، سواء كان موظفًا أو شريكًا أو حتى شركة متخصصة. المشكلة أنهم ينفذون المطلوب فقط أو أقل من ذلك، دون أي إضافة أو تطوير أو حتى وعي بالتحديات القادمة. بالنسبة لهم، العمل مجرد “قائمة مهام”: “نفذ هذا وذاك؟ .. إن شاء الله. ضيف الميزة الفلانية؟ .. ولا يهمك”.
بناءً على واقع التجربة وتقييمي الشخصي، يمكنني القول إنهم يفتقرون إلى الخبرة العميقة والقدرة على حل المشكلات بذكاء، وغالبًا ما تكون النتائج أقل من المتوقع. تكمن المشكلة في أن صاحب المشروع يمنح فريق العمل ثقته دون أن يكون لديه المعرفة الكافية لتقييم جودة العمل أو الإلمام بالجوانب التقنية. هذا يؤدي إلى مشاكل مستمرة مع بدء التشغيل الفعلي للمشروع، حيث يصبح إصلاحها معقدًا ومكلفًا ومهدرًا للوقت. وقد تصل بعض المشاريع إلى مرحلة إلغاء كل ما تم إنجازه والبدء من جديد في التنفيذ بسبب رداءة ما تم تقديمه. فتظهر مشاكل تقنية وأمنية، بالإضافة إلى تجربة مستخدم سيئة، وغيرها من الأمور ذات العلاقة.
بائع الوهم (المنظّر): للأسف، هذه الفئة منتشرة بكثرة في السوق. كل واحد منهم يدعي أنه “خبير”، ويضيع وقتك في مناقشات لا تنتهي واجتماعات طويلة ومتكررة، لكن دون تنفيذ حقيقي. قد يقدمون حلولًا غير واقعية أو يخوفونك بالمشاكل ليوهموك بأنهم يعرفون كل شيء.
النتيجة؟ ستكتشف في النهاية أن مشروعك قد فات أوانه، وأنك كنت تهدر وقتك وأموالك معهم دون تحقيق أي تقدم حقيقي في المشروع.
المطور البارع:
هذه الفئة هي العملة النادرة في عالم الأعمال. لا يقتصر دورهم على تنفيذ الفكرة كما هي، بل يعملون على تطويرها وتحسينها لتصبح أكثر فعالية وقيمة. يمتلكون رؤية عميقة وقدرة على تحويل الأفكار إلى نجاحات مستدامة. بفضل مهاراتهم المتميزة في التنفيذ، يستطيعون توقع التحديات المستقبلية وإيجاد حلول مبتكرة لها. بالإضافة إلى ذلك، يتمتعون بمرونة عالية تمكنهم من التكيف مع التغيرات السريعة في السوق، مما يجعلهم فعلًا شركاء استراتيجيين لا غنى عنهم في أي مشروع يسعى للاستدامة. من وجهة نظري الشخصية، وجودهم يعزّز الثقة ويسهم في تحقيق أهداف تتجاوز التوقعات، مما يجعلهم عنصرًا أساسيًّا في بناء أي نجاح طويل الأمد.
احذر من المنظّرين… فهم مقبرة الأفكار
في عام 2014، انطلقت شركة ناشئة بفكرة فريدة: توصيل الطلبات باستخدام الدرونز. بدت الفكرة مبتكرة، وحظيت بحماس المستثمرين ودعمهم الجاد لهذا المشروع. لكن المشكلة كانت في الفريق العمل، الذي غلب عليه “المنظرون”. أمضوا عامين غارقين في الاجتماعات والتحليلات النظرية، وعندما قرروا أخيرًا التنفيذ، كانت شركات أخرى قد سبقتهم، فخسروا كل شيء.
الحكمة هنا هي أن الفكرة قد تموت قبل أن تولد إذا وقعت في أيدي المنظّرين. حتى لو نجح مشروعك في المراحل الأولى، فإن بقاءه بين أيدي “بائعي الوهم” سيجعله هشًّا وضعيفًا.
كيف تكشف المنظّرين؟
إذا أردت معرفة ما إذا كان الشخص الذي أمامك منظرًا أم لا، اطلب منه التوقف عن الكلام والبدء في التنفيذ فورًا. ستجده يراوغ بالأعذار، ويسرد القصص والمبررات، ويغرق في الوعود التي لا تنتهي. وحين يفشل المشروع، سيكون أول المنتقدين، وأول من يتهرب من المسؤولية ويسقط فشله عليك مباشرةً. وستسمع منه عبارات كلاسيكية مثل:
أنا ما ضربتك على إيدك وقلت لك تسوي الفكرة بهذي الطريقة،،!
أنا خبرتك وأنت ما سمعت كلامي،،!
لو چذيه وچذيه مسوي، چان المشروع نجح،،!
أنا على يقين بأن الكثير منا واجه هذه المواقف مع المنظرين، وسمع منهم وعودًا لا تنتهي وأعذارًا لا حصر لها. فالمنظر بطبيعته يبرع في الكلام، لكنه يفشل عندما يحين وقت التنفيذ. وكثير منهم يفتقر إلى الواقعية بسبب غياب التجربة الحقيقية. وفي النهاية، عندما يتسببون في فشل أي مشروع، لا يترددون في إلقاء اللوم على الآخرين، بل إن بعضهم يصل إلى حالة من النرجسية والمكابرة، رافضًا تقبل الحقيقة بأنهم مجرد منظرين.
نصيحة أخيرة:
إذا أردت أن ينجح مشروعك، فلا تبحث فقط عن منفذين، بل عن عقول تفكّر وتطور وتبتكر. عندما أطلق ستيف جوبز أول آيفون، لم يكن مجرد فكرة، بل كان مشروعًا مدعومًا بعقول مبدعة تفكر في كل تفصيل، من تجربة المستخدم إلى التصميم والأداء وحتى خطط البيع وما بعد الإنتاج.
لا يكفي أن تمتلك فكرة مميزة، بل يجب أن يكون لديك فريق مميز لتنفيذها. لذا اختر فريقًا قويًّا ليس فقط من حيث المهارات التقنية، بل أيضًا من حيث الرؤية والقدرة على تقديم حلول مبتكرة خارج الصندوق. وتجنب الاجتماعات المطولة والمتكررة التي تستنزف الوقت دون إنتاج حقيقي، وكن مرنًا في توفير مساحة حقيقية للإبداع والابتكار، وحتى للانتقاد البنّاء، ولكن مع وضع حدود واضحة تحافظ على التركيز والإنتاجية. فالمشروع الناجح هو ذلك الذي يوازن بين التفكير والتنفيذ، دون الوقوع في فخ الكلام دون فعل.
الخلاصة: الابتكار رحلة وليس مجرد فكرة
ابتكار المشاريع يتجاوز كونه مجرد فكرة فريدة؛ فهو باختصار رحلة ومغامرة تتطلب توافر العقول والطاقات المناسبة، وفريق عمل متكامل لخوض التحديات وتحويل الفكرة والطموح إلى واقع ملموس. نجاح أي مشروع يعتمد على مزيج متوازن من المنفذين، المنظرين، والمطورين. المطورون، بقدرتهم على المزج بين الإبداع والتنفيذ، هم العنصر الحاسم الذي يحول الأفكار إلى إنجازات.
لذا، لا تترك مشروعك رهينة لمنفذين بلا تفكير أو منظرين بلا فعل، بل استثمر في العقول التي تصنع الفرق وتضمن استدامة النجاح.