تعد المجالس الرمضانية من التقاليد العريقة التي تميز شهر رمضان المبارك، حيث يجتمع الأهل والأصدقاء لتبادل الأحاديث والنقاشات في أجواء من الألفة والروحانية.. هذه المجالس ليست مجرد لقاءات اجتماعية، بل هي مدارس حقيقية تُغرس فيها القيم والمبادئ وتعزز أواصر العلاقات بين الأفراد والمجتمع. ومن فوائد زيارات المجالس الرمضانية تعزيز الروابط الاجتماعية في ظل إيقاع الحياة السريع الذي يقلل فرص التواصل المباشر بين الأفراد، إلا أن شهر رمضان يعيد الدفء للعلاقات، حيث توفر المجالس فرصة للقاء الأحبة وتجديد صلة الرحم، ما يقوي النسيج الاجتماعي، كما تسهم المجالس في نشر القيم والتقاليد الأصيلة وتعكس العادات والتقاليد المتوارثة، حيث يتناقل الحاضرون الحِكَم والتجارب، ويتعلم الصغار من الكبار أخلاقيات المجتمع وآدابه، مثل حسن الاستماع، واحترام الرأي الآخر، والتسامح، ناهيك عن أنها تهيئ مساحة للحوار الثقافي والفكري.
ولاشك أن المجالس الرمضانية تعتبر بيئة خصبة للنقاشات الهادفة حول القضايا الاجتماعية، والدينية، والثقافية، حيث يتبادل الحاضرون الأفكار والخبرات في جو من الاحترام والتقدير، بالإضافة إلى تعزيز قيم التكافل والتعاون، وكثيرًا ما تكون هذه المجالس منصة لمبادرات الخير، سواء من خلال تنظيم حملات تبرع أو دعم المحتاجين، ما يعكس روح العطاء والتراحم التي يتميز بها الشهر الفضيل، ففي هذه اللقاءات، يلتقي كبار السن بالشباب والأطفال، فتنتقل الخبرات والموروثات الثقافية عبر الأجيال، ما يسهم في بناء مجتمع أكثر ترابطًا وفهمًا.
وبجانب الجوانب الجادة، تحمل المجالس بعدًا ترفيهيًا من خلال تبادل الطرائف والقصص، ما يضفي على الأجواء بهجة ويكسر رتابة الحياة اليومية.
شخصيا أحرص على زيارة المجالس الرمضانية منذ أمد بعيد لأنني أؤمن كثيرا بمخرجاتها وفوائدها الجمة.
لا ننسى في هذا المقام أن ننوه بحرص واهتمام صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظه الله، بالزيارات الميدانية للكثير من العائلات البحرينية من الطائفتين ومن جميع المحافظات، وبشكل مكثف، والذي لا يعد أمراً سهلاً، وهي بلا شك محل تقدير كبير من قبل الجميع. فالتواصل المستمر بين القيادة والمجتمع لا يقتصر على كونه تقليداً اجتماعياً، بل هو نهج قيادي يعزّز الوحدة الوطنية، ويؤكد أن القيادة قريبة من شعبها، تستمع لهمومه وتسعى لتحقيق تطلعاته، ما يرسّخ الاستقرار والتنمية المستدامة في مملكتنا الغالية، وفي علم الإدارة يلعب القائد دورا محوريا في نقل وزرع هذه الثقافة والعادات الحميدة، فهو ينقل هذه القيم إلى الأجيال القادمة، فيعتبرون مصدر إلهام وفخر للجميع.
كما أن الزيارات التي قام بها أصحاب السعادة السفراء الخليجيون والعرب والأجانب المعتمدون لدى المملكة للمجالس الرمضانية كانت رائعة وفرصة للتعرف على عادات وتقاليد المجتمع البحريني، وكذلك التعرف على الشخصيات والوجهاء والأعيان والمواطنين والمقيمين على حد سواء. فكانت فرصة ذهبية لهم، حيث إنهم وجرياً على العادة يتواجدون في المناسبات الرسمية حسب البروتوكولات الدبلوماسية.
في المقابل، فإن تنظيم الشركات والبنوك والمؤسسات الخاصة الغبقات الرمضانية لموظفيها فرصة كبيرة لتحقيق مزيد من الانسجام بين إداراتها والعاملين.
في المقابل، فإن الممارسات الخاطئة كانت حاضرة في الكثير من المناسبات، فهذه التجمعات التي هي في الواقع رائعة، إلا أن المبالغة في التنظيم والإعداد وموائد الطعام تكون غنية ومكلفة جداً! قال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).
الخلاصة.. تعتبر زيارة المجالس الرمضانية فرصة لا تُقدّر بثمن لتعزيز التواصل، ونشر الخير، والاستفادة من التجارب المتنوعة. لذا، فإن المحافظة على هذه العادة وإحياءها بأسلوبٍ يتماشى مع متطلبات العصر سيُسهم في تعزيز الهوية الثقافية والاجتماعية للمجتمع، ويجعل من رمضان شهرًا عامرًا بالتآخي والمحبة.
داعياً اللّٰه عز وجل أن يحفظ قيادتنا الرشيدة والشعب البحريني الوفي، وأن يديم على الوطن الأمن والأمان والاستقرار والازدهار. وكل عام والجميع بألف خير.
كاتب وإعلامي بحريني