العدد 6035
الأربعاء 23 أبريل 2025
شبابنا.. بين الاستهتار وضريبة السرعة
الأربعاء 23 أبريل 2025

تشهد طرقات البحرين، كما هو الحال في كثير من دول المنطقة، سلسلة من الحوادث المروّعة التي تحصد أرواحًا شابة في مقتبل العمر. مشهد متكرر، ولكنّه لا يكفّ عن إيلام القلوب: سيارة مهشمة، صفارات الإسعاف، وقلوب أمهات تتمزق كلما سُمع خبر عن “حادث مروري مميت”. وبحسب الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الإدارة العامة للمرور، فإن نحو 60 % من ضحايا الحوادث الجسيمة في المملكة خلال السنوات الأخيرة هم من فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عامًا، وهي نسبة صادمة تعكس حجم المشكلة وحدّتها.
ولاشك أن السرعة الزائدة، والتجاوز الخاطئ، والانشغال بالهاتف أثناء القيادة، بالإضافة إلى القيادة تحت تأثير الكحول أو المؤثرات العقلية، باتت من الأسباب المتكررة في هذه الحوادث. ولكن الأخطر من كل ذلك هو الاستهتار بحياة الناس وبالحياة ذاتها، وكأن الموت لا يعني هؤلاء الشباب، أو كأنهم يظنون أنهم خالدون على الطرقات. ورغم حملات التوعية المستمرة، والدعوات المتكررة من قبل الجهات الرسمية والأهلية، ووسائل الإعلام المحلية ومنصات التواصل الاجتماعي، إلا أن المشهد لا يزال يتكرر، وكأن الدماء التي تراق على الأسفلت لم تكن كافية لردع الآخرين. فخلف كل حادث مأساوي، أم ثكلى، وأب مكسور، وإخوة فقدوا السند والضحكة. فلا شيء يعوّض تلك الأرواح، ولا شيء يخفف فداحة الفقد. ومما يزيد الوجع أن أغلب هؤلاء الضحايا كانوا في قمة عطائهم، يدرسون، أو بدأوا للتو حياتهم العملية، وأحلامهم كانت تملأ السماء. 
إننا اليوم بحاجة إلى مراجعة جماعية لثقافة القيادة في مجتمعنا. فالمسؤولية لا تقع فقط على السائق، بل تشمل الأسرة، والمدرسة، والإعلام، والجهات التشريعية والتنفيذية. فلابد من فرض قوانين أشد صرامة، وتطبيقها بحزم، ومضاعفة الجهود التوعوية، مع التركيز على الفئة الشبابية، التي كثيرًا ما تُغريها المغامرة وتُنسيها العواقب. هذا لا يعني أننا لا نواصل جهودنا لتحقيق أهداف محددة في المجتمع، فهذا الموضوع مجرد واحد من الكثير من الممارسات الخاطئة التي يجب علينا القيام بمحاربتها أو تصحيحها، فالمشوار ليس سهلًا، بل شاقا وصعبا ويحتاج إلى صبر طويل، الأمر جزء من عملية التغيير في الثقافة والفكر في مجتمعنا. ولاشك أن مثل هذه الأمور أو القضايا تحتاج إلى وقت ونفس طويل، كما تحتاج إلى الحزم في التعامل معها، فأبناء هذا الجيل لم يعانوا مثلما عانت أجيال الستينات والسبعينات. ولكي أكون منصفا فإن هذا الأمر ينطبق على جميع الشباب من الجنسين في جميع دول العالم بلا استثناء.
شخصيا أجزم بأن غالبية شباب هذا الجيل مع كل احترامي لهم لا يهتمون لنصائح الوالدين، ويظنون أنهم على حق على الدوام، بل أحيانًا يستهزءون بهم! وأنا على يقين بأن الكثير من أولياء الأمور يعانون من هذه الظاهرة ولهم تجارب كثيرة.
الإدارة العامة للمرور تعمل جاهدة بفرض غرامات مالية على المخالفين وتقوم بمراقبة الطرقات العامة بشكل مكثف، ناهيك عن وجود كاميرات مراقبة السرعة. ولكن هناك من يقول إن هذا لا يمنعني من القيام بالمخالفة وكأنه يتحدى القانون بشكل لا يقبله العقل والمنطق!
على سبيل المثال وليس الحصر، الحكومة السعودية عندما وضعت كاميرات المراقبة على السرعة على حدودها البرية نجحت في الحد من الحوادث المميتة ونحن كبحرينيين نقر بأن ذلك هو الحل الأمثل والوحيد لتجنب تلك الحوادث الخطيرة والمميتة.
ومن المؤسف أن هناك من يقول إن فرض رسوم وغرامات مالية بهدف زيادة الميزانية! شخصيا أقول إن هذه الغرامات في المخالفات لا تؤثر شيئا في الميزانية، فالحكومات لا تعتمد على إيراداتها من هذه الرسوم التي لا تغني ولا تسمن من جوع. فهذه الرسوم والغرامات هي من حقها وتطبق في جميع دول العالم، وإذا كنت من الملتزمين بالقوانين المرورية فلا تنطبق عليك أية مخالفات. هذا باختصار شديد.
دعونا نضع حدًا لهذا النزيف قبل أن نخسر مزيدًا من الأرواح الغالية. فكل شاب يُفقد على الطريق، هو مستقبل يُسلب من الوطن، وحلم يُدفن قبل أن يرى النور.
مع دعواتي الخالصة للجميع بالسلامة والأمان في الطريق، وتذكر أن احترامك القواعد المرورية يؤمن حياتك وحياة الآخرين.

كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية