في حياة البشر، هناك من يمرّون مرور العابرين، وهناك من يزرعون فينا أثرًا لا تمحوه الأيام. أولئك الذين لا تستهويهم الأضواء، بل تصنعهم قيمهم الأصيلة، وكلمتهم الصادقة، ومواقفهم الإنسانية التي تظل شاهدة على نُبل سريرتهم. رحل في بداية هذا الأسبوع الأستاذ والمربي والإمام والجار الغالي، مبارك بن جمعة بن أحمد حبيب، تاركًا خلفه ما لا تمحوه الذاكرة ولا تطويه الأيام، “مبارك حبيب” لم يكن اسمًا عابرًا في مجتمعنا، بل كان قيمة إنسانية وتربوية ودينية متكاملة، رجلا وهب عمره للعطاء، ونذر نفسه لتربية الأجيال، لا يطلب جاهًا ولا منصبًا، إنما يزرع في كل من حوله بذور الخير والمعرفة والخلق النبيلة. عرفه الناس معلمًا في مدرسة عراد الابتدائية للبنين، وإمامًا لمحراب مسجد الحالتين، وأبًا روحيًا لكل من تتلمذ على يديه أو من جالسه. لم يكن أبًا لذريته فقط، بل كان أبًا للقلوب، والمُوجّه الذي لا يتأخر، والمربّي الذي لا يكلّ.
ومن غرسه الطيب، يواصل أبناؤه البررة طريقه: سعادة الدكتور محمد بن مبارك، وزير التربية والتعليم، وفضيلة الشيخ والمربي الفاضل عبدالرؤوف بن مبارك، والمربي القدير جمعة بن مبارك، إضافة إلى الأخوين الكريمين أحمد وحمد. كلٌّ منهم يحمل من والدهم بصمته، وقيمه، ومكانته التي بناها على مدار سنوات طويلة من الإخلاص والخدمة والبذل. برحيل الأستاذ مبارك بن جمعة، تفقد المحرق أحد وجوهها النبيلة، وأعمدة التربية والإيمان فيها، لكن العزاء أن الأثر باقٍ، والاسم خالد، والسيرة عطرة تُروى للأجيال. نسأل الله أن يتغمد فقيد المحرق الغالي بواسع رحمته، وأن يجعل الفردوس الأعلى مثواه، وأن يُلهم أسرته ومحبيه جميل الصبر وعظيم الأجر.