سواء كان “المدير الأول” يعلم بحقيقة الأمر أو تم خداعه
السبب الرئيس في انتشار مثل منصة “pcex” هو نظريات “الثراء السريع”
قال الخبير الاقتصادي عارف خليفة، إن السبب الرئيس في انتشار مثل هذه المنصات هو انتشار نظريات “الثراء السريع”، التي بدأت بالانتشار بشكل كبير في السنوات الخمس الأخيرة، لاسيما بعد جائحة كورونا، خصوصًا تلك المتعلقة بالأصول الرقمية والعملات المشفّرة.
وأشار إلى أن هناك عوامل رئيسة تسهم في ذلك، أبرزها: نظريات الثراء السريع، والترويج المكثف عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ ما يدفع الشباب، خصوصًا في البحرين، إلى اللهاث وراء تحقيق الثروة بأسرع الطرق الممكنة. وأضاف أن الاستثمار، بالنسبة لكثير من الشباب اليوم، لم يعد وسيلة لبناء الثروة على المدى الطويل، بل أصبح الهدف هو تحقيق الربح السريع، بأي وسيلة كانت، حتى إن كانت غير مضمونة أو محفوفة بالمخاطر.
وأوضح أن أي منتج استثماري يعد بتحقيق عائد شهري يفوق 7 % أو 8 %، هو استثمار يحمل علامة استفهام كبيرة. ولهذا السبب، نجد أن بعض البنوك المركزية - ومن بينها مصرف البحرين المركزي - تشترط أن يكون المستثمر مؤهلاً لفهم طبيعة هذا النوع من الاستثمارات، خصوصا إذا كان المبلغ كبيرًا. ويأتي ذلك ضمن الأطر التنظيمية والقوانين التي تحكم الاستثمارات المُنظّمة، إلا أن المشكلة تكمن في أن هذه المنصات، مثل منصة PCEX وغيرها، تعمل على نطاق عالمي وغالبًا ما تكون غير منظمة أو غير مرخصة؛ لذلك لا يُنصح أبدًا بالتعامل معها، مهما كانت العوائد التي تَعِد بها مغرية، فليس هناك في العالم أي منتج استثماري مضمون يحقق عوائد تتراوح بين 20 % و100 % في فترة قصيرة، وإذا وُجد، فهو إما غير قانوني أو عالي المخاطر إلى حد كبير.
وعن آلية توزيع الأكواد ومنهجية الاحتيال الهرمي في بعض المنصات، مثل “PCEX”، أوضح خليفة أن الأكواد التي تُرسل عبر تطبيق “تيليجرام” أو غيره من التطبيقات، تمثل نظامًا هرميًا بحتًا، فالفكرة تقوم على أن الشخص الذي يحصل على أكثر من كود (اثنان أو ثلاثة مثلا)، عندما يسجل دخوله إلى المنصة يُطلب منه إدخال أحد هذه الأكواد، ليُسجّل تلقائيًا ضمن شبكة الشخص الذي زوّده بالكود، والذي يُعد “المشترك الأول”. وأي شخص ينضم عبر هذا الكود يُصبح تلقائيًا تحت مظلة هذا المشترك في النظام الهرمي.
وتابع: ما يحدث هو أن “المشترك الأول” أو “الرئيس” يحصل على نسبة من أرباح “المشترك الثاني” الذي انضم عن طريقه، ثم يقوم الثاني بالحصول على أكواد وترويجها بدوره، ويستمر هذا التسلسل. هذه الطريقة قد تحتوي على آليات متعددة، لكنها في جوهرها لا تمثل استثمارًا حقيقيًا، بل تُحوّل الأشخاص إلى أدوات لتوسيع الشبكة الهرمية، لا إلى مستثمرين حقيقيين.
وبيّن أن البعض قد يزعم أن من يحصل على “كود” ينال عمولة كمكافأة على جذب العملاء، وهو أمر موجود في بعض أنظمة التسويق التقليدية (مثل مندوبي المبيعات)، لكن في النظام الهرمي، الوضع مختلف تمامًا. فالنظام الهرمي، وهو جزء من نظام “بونزي” الأوسع، يُعد تضليلًا وخداعًا للناس، ويعده معظم المشرّعين نظامًا غير قانوني. وغالبًا، لا يوجد أي استثمار فعلي، بل يتم فقط تدوير لأموال المشاركين الجدد لدفع أرباح وهمية للقدماء.
وأضاف خليفة أننا في السنوات الـ 15 أو 20 الماضية، شهدنا العديد من النماذج المشابهة، وفي كل مرة يتضح أن لا وجود لاستثمار حقيقي، بل مجرد خداع ممنهج. فإذا كان الشخص في قمة الهرم يعلم بحقيقة الأمر، فهو يُعدّ شريكًا في عملية الاحتيال، بل هو المسؤول الأول عن تضليل الآخرين.
وختم بالقول: ما حدث في منصة PCEX هو نموذج واضح لاحتيال هرمي، سواء كان “المدير الأول” على علم بحقيقة الأمر أو تم خداعه، فالنتيجة واحدة: نظام غير شرعي. تُروّج المنصة على أنها تحقق أرباحًا سريعة وتُظهر أرقامًا مغرية ملوّنة بالأخضر في الواجهة لإيهام الناس بالربح. ويتم السماح لبعض المشاركين الأوائل بسحب جزء من الأرباح لتعزيز الثقة، فيأتيك أحدهم ليقول “شوف، أنا دخلت وسحبت أرباحي!”؛ ما يزيد الإقبال استنادًا إلى هذه “الإنجازات الوهمية”. (اقرأ الموضوع كاملا بالموقع الإلكتروني).
أنواع الاستثمار المشبوه وخطر المنصات غير المرخصة
وأوضح الخبير الاقتصادي عارف خليفة أن هناك نوعين من الاستثمارات التي تنطوي على مخاطر كبيرة. وقال إنه سبق أن تحدث كثيرًا عن سوق “الفوركس” كمثال واضح، إذ كانت هناك في البداية منصات تداول حقيقية، لكن سرعان ما ظهرت منصات وهمية تعتمد فقط على ما يُعرف بالرافعة المالية، دون وجود تداول فعلي. ومع مرور الوقت، تحوّلت العديد من هذه المنصات إلى التعامل مع العملات الرقمية والأصول الرقمية (الكريبتو والديجيتال أسيت)، لكنها استمرت في استخدام الأساليب الوهمية نفسها، وأحيانًا تحت الأسماء نفسها، أسماء شركات أو منصات، لكنها ليست حقيقية. وأضاف أن هذه المنصات غالبًا ما تتعامل مع أفراد يُقدّمون أنفسهم بأسماء وهمية لا تعكس هويتهم الحقيقية؛ لأنهم غير مرخصين أو موثقين لدى أي بنك مركزي أو جهة تنظيمية رسمية. وغالبًا ما تُسجّل هذه الشركات في دول ذات تشريعات ضعيفة جدًا، تعاني الفساد والفوضى؛ ما يتيح لأي شخص الحصول على سجل تجاري دون أي تدقيق يُذكر. وغالبًا ما تكون هذه الدول في إفريقيا، أو أميركا اللاتينية، أو مناطق أخرى لا تخضع لرقابة مالية صارمة؛ ما يجعل تسجيل شركة وهمية والترويج لها على أنها منصة استثمارية محترفة أمرا سهلا.
وأشار خليفة إلى أن النوع الثاني من هذه الاستثمارات المشبوهة يتمثل في استخدام أسماء رنّانة لجذب الناس، إلى جانب خداع بصري وعقلي عبر تصميمات احترافية ومصطلحات تسويقية جذابة. والهدف من ذلك كله هو استدراج الأشخاص الذين يبحثون عن الثراء السريع، دون أن يتحققوا من طبيعة الاستثمار أو يفهموا المنتج المالي المعروض أساسًا.
وبيّن أن المشكلة الجوهرية تكمن في أن كثيرًا من الناس لا يعرفون ما هي الأصول الرقمية في حقيقتها؛ لذا يكون من السهل التأثير عليهم باستخدام أسماء مزيفة ومنصات وهمية؛ ما يؤدي إلى خسائر مالية كبيرة.
وأكد أن هذا النوع من الاستثمار يُعد بالغ الخطورة؛ لأنه يجمع بين مخاطر مالية عالية، ومخاطر احتيال وتزييف. ولهذا، بدأت بعض الدول في فرض تشريعات صارمة لتنظيم الاستثمار في الأصول الرقمية، في محاولة للحد من انتشار هذه المنصات غير المرخصة، خصوصا أن السوق الرقمية باتت بيئة خصبة للاحتيال والأنشطة المشبوهة.
وشدد الخبير الاقتصادي على ضرورة التمييز بين مستويات المشاركة وأساليب الاستثمار المعروفة مثل: العقار، الذهب، الصكوك، السندات، الأسهم، السلع (الكوموديتيز) وغيرها من الأدوات الاستثمارية التقليدية. وعلى رغم اختلاف طبيعتها، إلا أن جميع هذه الاستثمارات تشترك في حقيقة واحدة: لا يوجد أي استثمار في العالم، ولا أي منتج بنكي، يخلو تمامًا من المخاطر. حتى الودائع البنكية، على رغم تصنيفها كأدوات منخفضة المخاطر، إلا أنها ليست “صفر مخاطرة”، فالعوائد عليها تتغير صعودًا وهبوطًا حسب الظروف الاقتصادية وسعر الفائدة وغيره.
ولذلك، أكد خليفة أن أي استثمار يعدك بعائد يتجاوز 8 % سنويًا أو شهريًا، خصوصا إذا كانت الفترة قصيرة (أقل من 3 أشهر)، فهو على الأرجح يتجاوز حدود “المخاطرة” ليدخل في نطاق “الاحتيال”. بمعنى آخر: كلما ارتفع العائد عن 8 %، زادت معه احتمالية وجود عنصر احتيالي، وكلما قصرت مدة الاستثمار، ارتفعت درجة الخطورة.
واختتم حديثه بتأكيد أهمية توخي الحذر الشديد عند التعامل مع أي فرصة استثمارية تقدم عوائد مرتفعة في وقت قصير؛ لأنها غالبًا لا تستند إلى نشاط اقتصادي حقيقي أو مشروع فعلي، بل إلى أساليب مضللة تهدف إلى استنزاف أموال المستثمرين.