+A
A-

راشد آل خليفة يقهر الصحراء بمزارع الجزيرة الخضراء

لا أعترف بالحواجز.. وأقبل المستحيل وصولًا للنجاح

تشرفنا بوضع صورة علم البحرين على منتجنا

كنتُ مصرا على عدم منافسة المزارع البحريني وإنما المستورد

تعرَّف الجمهور على منتجاتنا بسوق البسطة أولا ثم “المزارعين”

 

لقاؤنا هذا الأسبوع مختلف، فهو مع شاب بحريني تحدى المعوقات والتحديات ليؤسس مزارع الجزيرة في العام 2012 بإجمالي مساحة 180 ألف متر مربع، تتكون من 9 محميات زراعية، مساحة كل محمية 5 آلاف متر مربع في صحراء “الصخير”. يزرع 5 أنواع من الخضار، مثل: الخس، والطماطم، والفلفل، وكل نوع يتفرع إلى أنواع أخرى من الصنف نفسه، وتبلغ كميات الإنتاج في أحسن المواسم أكثر من 1500 كيلو غرام يوميا. لم توقفه أي عقبة، فأسس شركة أخرى لإنتاج حليب وأجبان الماعز، إضافة إلى صابون الماعز. إنه المدير العام لشركة مزارع الجزيرة الشيخ راشد بن خليفة آل خليفة الذي يدير المزرعتين التي يبلغ عدد عمالهما 65 تقريبا، كان لنا معه هذا الحوار:

حدثنا عن بداياتك ونشأتك؟

ولدت وتربيت في البحرين حتى عمر 11 عاما، ثم انتقلت مع العائلة إلى الولايات المتحدة الأميركية، وعشنا لفترة 12 سنة بحسب ظروف وظيفة الوالد، فكانت دراستي خارج البحرين لفترة طويلة حتى استكملن مرحلة الجامعة، ونلت بكالوريوس علم اجتماع من جامعة جورج واشنطن، وتخرجت فيها العام 2006، فعدت إلى المملكة. كنت أزور البحرين زيارات خفيفة بحكم معيشتنا في أميركا.

 

ما وظيفتك الأولى؟

توظفت في وزارة الشباب والرياضة تحديدا مركز الإبداع الشبابي، إذ لم أكن أعرف الشباب في البحرين، ويجب الانخراط معهم؛ للتعرف عليهم أكثر، وأشكر الوزارة على إتاحة هذه الفرصة لي، حيث تعلمت منهم الكثير الذي كنت أحتاجه، عملت سنوات، ثم شغلت منصب رئيس المركز، ورأيت إبداع الشباب البحريني لدرجة الانبهار به.

 

وكيف تم تأسيس مزارع الجزيرة؟

تعرفت على الشركة الاستثمارية المؤسسة لمزارع الجزيرة حينما رأوا طريقة عملي في مركز الإبداع، وسألوني عن رأيي في مشروع لمزرعة مختلف تماما، وإن كانت لي رغبة في العمل في هذا المشروع، فأجبت أنني لا أملك فكرة عنه، ولكن أقبل أن أكون جزءا من توفير ومضاعفة الأمن الغذائي الوطني.

الفكرة كانت من جلالة الملك، تم التحدث عنها في الرؤية الاقتصادية 2030 للاستدامة، ففكر المستثمرون فيها، ثم أسسنا الشركة.

بدأ العمل في المزرعة بالمحميات في 2012، ووصل عددها الآن إلى 9 محميات، كل محمية مساحتها 5 آلاف متر مربع، بإجمالي مساحة تصل إلى 45 ألف متر مربع، منذ البداية كنت مصرًّا على عدم منافسة المزارع البحريني، وإنما منافسة البضائع المستوردة، والدخول للأسواق التي لا تدخلها المنتجات البحرينية.

هل عملت في الزراعة سابقا؟

تعلمت من جدي الكثير، حيث كان يملك مزرعة، ويأخذني معه، وتأقلمت مع المزرعة والمواشي الموجودة فيها، كما كانت والدتي تزرع الكثير في حديقة المنزل، حتى أصبحت في يومنا الحاضر مديرا عاما لمزارع الجزيرة التي فازت بجائزة أفضل مزرعة.

كيف كانت بداياتك بالمزرعة وسط صحراء المملكة؟

لقد كانت فكرة حتى حصلنا على الأرض دون أي شيء مزروع أو كهرباء أو ماء، وقررنا الدخول في الزراعة المائية، حيث إنها لا تحتاج تربة معينة، وبالقرب من البيوت المحمية حفرنا 3 آبار يتم أخذ الماء من اثنين منها ويتم تحليته، ليكون صالحا للشرب واستخدامه في الزراعة، فيما يتم وضع المياه المالحة في البئر الثالث، حيث إن جميع مواد المزرعة يكون لها إعادة تدوير لاستخدامات أخرى.

وعند إدارتي الشركة تعلمت الكثير، وأن البحرين تستطيع فعل الكثير من الأمور وكخطوة أولى التقليل من الاستيراد والاعتماد على المحلي بنسبة أكبر. تشجعت لهذا المشروع، حيث إنني لا أحب وضع الحواجز، بل أقبل المستحيل حتى أفعله، كنت أفكر وأبحث عن كيف يمكننا أن نزرع في هذا البر؛ حتى تستطيع المزروعات النمو والعيش خصوصا في جو الخليج الحار.

 

ما أبرز التحديات التي واجهتك؟

كنت أظن أن كيفية زراعة الخس ستكون صعبة في موقع المزرعة، وعند حصادها ستكون عملية بيعه سهلة، لم نكن نتوقع أننا سنواجه مشكلة في ترويجه وبيعه، حيث إننا سألنا باعة عدة إذا كانوا يريدون كميات منه، فحصلنا على أجوبة إيجابية، وتفاجأنا عند الحصول على المحصول أنه يرفض شراؤه، حيث إن سعره مضاعف عن الخس البحريني المعروف. دخلت في نقاش مع أحد الموزعين لماذا علبة الطماطم التي نزرعها مسعرة بـ 300 فلس، وعلبة الطماطم الهولندية بدينار واحد، إذ إن بذور طماطم مزرعتنا من هولندا، فأخبرني أن هناك نقطة جيدة، واقترح عليَّ أن أضع على العلبة علم هولندا؛ حتى نستطيع بيعها بالسعر المستورد، وعدت للمكتب وقمت بطباعة 300 ألف ملصق بعلم البحرين، وهي المرة الأولى التي أضع صورة علم البحرين، حيث كان يكتب على المنتج صنع في البحرين فقط، وعدت له وصدم، وقال لي إنه طلب وضع علم هولندا، فأجبته إنني سمعت ضع صورة علم فقط، واعتقدت أنني انتصرت على الموزع، لكن في الواقع خسرت، ولم يزد سعر المنتج رغم إحساسي بقيمة للبحرين أكثر، وتفاخرت بالترويج بالمنتج البحريني أكثر.

كيف عرَّفت الجمهور على الشركة ومنتجاتك؟

من أكبر الداعمين لنا فعاليات “سوق البسطة” و”سوق المزارعين” رغم أنني لم أشارك منذ بدايات “المزارعين”، إلا أنها علمتني وعرفتني على كثير من الأمور في الزراعة البحرينية، وأشكر إدارة سوق المزارعين على جهودهم ودعمهم للمزارع البحريني، وبما أني أعمل في المزرعة وسط الصحراء أعجبت بما رأيت في سوق المزارعين والمناظر الجميلة في الموقع، ورأيت الكثير من المحاصيل الزراعية البحرينية ليس فقط الطماطم البحرينية الشهيرة، بل كان هناك أيضا محاصيل أخرى مثل الورود والمشروم والذرة والبصل، المكان رائع وأنصح كل بحريني بزيارته؛ لأنه يبعث ويزيد الفخر بتاريخ الزراعة في البحرين التي مازالت موجودة ولم تندثر.

 

كيف تقضي يومك؟

يوميًا أتواجد في المزرعة بدوام رسمي وبعض الأوقات أقوم بزيارة للباعة والموزعين وعقد اجتماعات مع شركات أخرى.

 

ما آخر المستجدات في مزارع الجزيرة؟

سندشن خلال الأيام المقبلة خدمة التوصيل للمنازل، وكان ذلك سلاحا ذا حدين، إذ كنت حريصا على أن يتم تدشين الموقع الإلكتروني في الوقت المناسب، إلا أن الإقبال الضعيف على المنتجات رغم لذتها وجودتها الممتازة دفعني للإسراع في توفير هذه الخدمة، حيث إن 90 % من المنتجات يتم إرجاعها للمزرعة ما يؤدي لتأثر العمال وإحباطهم، مبينًا أن المرحلة تحتاج وقتا وميزانية، حيث يستثمر مجلس الإدارة المبلغ على أساس أن يكون هناك مردود، ولكن المردود لن يكون مباشرا.

الشارع البحريني غير متقبل المنتج البحريني حتى الآن، إذ يعتقد أن المنتجات ستكون رديئة وبسعر رخيص، رغم أن مزارع الجزيرة تنتج اليوم نكهات الأجبان والمنتجات المستوردة نفسها.

ما المنتج الأول في المزارع لديكم؟

قررنا أن نبدأ المرحلة الأولى من الزراعة بالخس، حيث إننا سنتعلم بسهولة، إذ إن فترة نمو الخس تتراوح بين 45 إلى 55 يوما، وبدأنا بالخس “غورميه”، حيث إن العادي المدور لا تلتف أوراقه في أوقات الحر، وبذلك السوق والهايبرماركت لن تقبل شراءها، ثم زرعنا الطماطم والفلفل، واكتشفنا أن الجميع قد تعود على شيء معين، فإن دخول منتج جديد في السوق يأخذ الكثير من الوقت والجهد للترويج عنه.

في إحدى المرات، ذهبت للسوق بمنتج الطماطم المستورد نفسه، وهو نوع يستخدم للشواء ويباع المستورد منه بدينارين للكيلو، ورفض البائع أن يعرض منتجنا بالسعر نفسه أو مقارب له وأصر على أن يكون الكيلو 400 فلس فقط؛ لأنه محصول بحريني، نواجه مشكلة في السوق، حيث إن الباعة والموزعين لا يحترمون المنتج المحلي.

الخطوة الثانية لمزارع الجزيرة كان تأسيس شركة ألبان، وجلبنا من أميركا 300 ماعز، الفكرة الأساسية أن يكون هناك نوعان “نوبي” أصوله من البحرين، و”ألبان” أوروبي، جلبناهما إلى المملكة وتكاثرا، والآن عدد قليل منهم مازالت أميركية والبقية بحرينية.

بدأنا بالحليب، ثم الجبن التي تحتوي على لتر واحد من حليب الماعز، أستطيع أن أقلل من كمية الحليب وأضع مسحوق حليب بديلا له لأنتج كميات أكثر من الجبن وأقلل السعر، ولكن هدفي أن أصنع منتجا صحيا وأفتخر كونه بحرينيا، نصنع الحليب والزبدة واللبنة والجبن بـ 4 أنواع، العادي وبالزعتر والمدخن ونوع خاص للشواء بتتبيلتنا الخاصة.

تعاملنا مع السوبرماركت في الخضراوات أسهل من الحليب، وصابون حليب الماعز رغم أنه مفيد للمصابين بالأكزيميا والصدفية.

وماذا عن تحديات الألبان والحيوانات؟

في البداية قلل الحر كميات الحليب، حيث إن الماعز تم جلبها من الولايات المتحدة الأميركية وتأقلمت مع البيئة الجديدة، ثم أنشأنا لها ملعبا؛ لأنه يحتاج للحركة واللعب، ومن بعد ذلك فعلا زادت كميات الحليب من الماعز، ويؤكد المختصون في تربية المواشي أن الماشية التي تُربى في أجواء مريحة، وتتغذى جيدا يكون إنتاجها من الحليب أفضل. نوفر 25 % من أكل الماعز بأنفسنا إذ نزرع أعلافها بالمزرعة، بينما نستورد الكميات الباقية من الإمارات وإيطاليا، ونعيد تدوير الماء المستخدم في الزراعة، ونستخدمه لري الأعلاف.

كيف تسير عمليات الحلب اليومي؟

تم تقسيم مكان حلب الماعز لممرين، الأول للدخول، ويتم إغلاق الآخر حتى الانتهاء من عملية الحلب، ويتم وضع قطعة بلاستيكية لكل ماعز، وهي عبارة عن شرائح إلكترونية تستطيع الأجهزة قراءتها لتبين معلومات الماعز، يتم حلب الماعز عبر أجهزة إلكترونية، ويصل حليب كل منها لنحو ترين فيضع في علبة كل على حدا ليتم تحليلها والتأكد من خلوها من الأمراض قبل نقلها إلى الخزان الكبير الذي يجمع جميع الإنتاج. تصل الطاقة الاستيعابية لإنتاج الحليب في المزرعة إلى نحو 5 آلاف لتر، إلا أنه يتم إنتاج 500 لتر فقط بسبب عدم وجود سوق قوية لمثل هذا النوع من الحليب، ولا أريد أن أكرر خطأ بداياتنا مع الخس، وحليب الماعز غالي إذا قارناه بحليب البقر، إذ تعطينا كل بقرة 35 لترا في اليوم، بينما الماعز لترين فقط.

ويضيف الشيخ راشد أن مزارع الجزيرة لا تُقدم على أي خطوة إلا بعد دراستها جيداً والأخذ باستشارة المتخصصين، وبعد أن لوحظ إرجاع كميات كبيرة من حليب الماعز المنتهية الصلاحية بسبب عدم تقبل المستهلك البحريني لها وتثبت التقارير الطبية أن حليب الماعز صحي أكثر؛ لأن مادة اللاكتوز أقل فيه، إضافة لأمور أخرى.

ومن حليب الماعز وسعيا من مزارع الجزيرة لتجاوز هذه المشكلة، تم تصنيع 4 أنواع من أجبان حليب الماعز، وهم العادي، والمدخن، وبالزعتر، والجاهز للشواء بتتبيلتنا الخاصة، ثم انتقلنا لتصنيع اللبنة والزبدة.

من أين أتت فكرة الصابون، فهي سلعة غير غذائية؟

كانت ترجع لنا كميات كبيرة من حليب الماعز، فأصبت بالإحباط، ولتخفيف حدة هذا الوضع، فاجأني مدير مزرعة الألبان النمساوي رولين بحل غريب، حيث اقترح صناعة الصابون من هذا الحليب، وتم تطبيق الفكرة وجربتها بنفسي؛ للتأكد من صلاحية استخدامها قبل عرضها للبيع للمستهلكين. كان ابني يعاني الصدفية، واستخدم صابوننا وتفاجأت بالنتيجة الإيجابية للعلاج، وكذلك مفيد للمصابين بالحساسية، ولمرضى السكري أيضاً، وننتج نحو 11 ألف صابونة في الشهر، ووقعنا عقدا مع أحد الأشخاص لنصنع الصابون، ويقوم ببيعه تحت مسمى آخر.