+A
A-

الفنان جاسم محمد ...البحريني الذي قهر المرض والعجز

واجهت المرض وضيق ذات اليد وأدهشت الأطباء بالمشي مجددا

- والدي علمني الخط وحب الوطن والأمل وتركني أتفوق عليه أحيانا

ضرب الشاب والفنان البحريني جاسم محمد مثالا رائعا للصبر والإصرار على قهر العجز والمرض، وممارسة الحياة على الرغم من الصعاب التي واجهته وجعلته لا يعرف إلا سرير المرض.

لكنه وبإصرار وعزيمة وإيمان كبير بالله تعالى قهر الصعاب وانتصر على الشلل، وواصل حياته بيد واحدة، ورجل واحدة حتى استطاع أن يقف مرة أخرى على رجليه. فهذا الشاب الذي يمثل أيقونة رائعة ومتميزة للشباب العصامي المكافح، كون اسما لامعا وشهرة في مجال الفن.

عشق الخط العربي منذ الصغر، وعندما كان طفلا يافعا رسم مع أبيه “المهموم بالرسم” أول جدارية بخطوط أعلنت مولد فنان جديد، ليواصل المسيرة بعد أن امتلك الخط العربي وجدانه فأبدع فيه.

كانت انطلاقته الأولى مع معرض وغاليري “نقش” الذي يعبر عن امتنانه الكبير للدعم الذي قدمه وللقائمين عليه في دعوته للمشاركة الأولى بلوحاته وخطوطه التي أثارت الدهشة؛ لتكون المشاركة الثانية التي تثير الإبهار والإعجاب، فقد كانت لوحاته ذلك “الاتون” الذي صهر الخط في جمالياته التشكيلية.

السكلر ونوباته

يقول جاسم محمد، الذي يبلغ الآن 27 من العمر في لقاء مع “البلاد”: عانيت منذ العام 2008 من الألم والمرض، فقد ولدت مريضا بالسكلر. ولكن المرض لم يقهرني، ولم أكن أحب التردد إلى المستشفى، على الرغم من سكرات الألم التي كانت تقطع قلبي وجسدي. وقبل أن أبلغ العشرين من عمري كان تفكيري وهدفي وأمنيتي تأسيس شركة صغيرة تمنحني الاكتفاء، وتكف عني تعب طرق أبواب الوظائف المغلقة. ويضيف: ولكن ضيق ذات اليد كان يقف عائقا قويا أمام تحقيق حلمي، إلا أنني قاومت واستمريت في عملي في البيت رغم قلة إمكاناتي المادية والصحية، وكنت أحلم بأني سأحقق طموحي في يوم ما. ويؤكد: كنت سعيدا بالحلم فقط، فقد كان الفرحة التي تمنحني مزيدا من الصبر والاستمرار والتحدي.

شركة صغيرة

ويكمل جاسم: في الخامسة والعشرين وقبل سنتين تقريبا، حققت حلمي وأسست شركة صغيرة “جدا” - وكما يصفها - شركة مثل قبضة اليد أحملها معي أينما سرت، لتصميم الشعارات العربية والهوية التجارية، بكل ما أملك من طاقة أخبئها لتحقيق هذا الحلم، وما مدني به والدي ووالدتي وزوجتي وأفراد أسرتي وشركة “ywe” من تشجيع وإصرار، والذين كانوا جميعا سببا في نجاحي.

ويضيف: كانت ثقتي بالله سبحانه وتعالى كبيرة، وأنه يقف مع عبده إذا احتاج إليه، وأنه مجيب الدعاء، ومع رضا والدَي علي، استطعت أن أنجح وأنطلق بشركتي التي لم تكن في بدايتها سوى “لابتوب” أحمله على كتفي ليصبح الحلم حقيقة.  ويكمل: وانطلقت في تصميم الشعارات العربية، ولأني مدعوم بالموهبة والخبرة منذ الصغر في هذا المجال، ولمعرفتي أن التخصص هو ما يحقق النجاح والتميز، تخصصت في مجال تصميم الهوية التجارية، واتجهت في هذا المجال صوب السوق السعودية، التي سبقتني فيها سمعتي الطيبة من خلال أعمالي التي تميزت بالحرفية والانفراد، ليكون لي ما عملت من أجله، فقد أصبحت أحد المعروفين في هذا المجال بالسعودية، وأصبح لدي زبائن من شركات معروفة وتجارية.

الرسم رفيقي

ويقول جاسم محمد: منذ زمن بعيد وجدت في الخط والتصميم متنفسا للخروج من مرض السكلر ونوباته وآلامه القاتلة، وعندما أتممت الثانوية ودخلت معهد البحرين للدراسة تركته عاجلا؛ لأني وجدته بعيدا عن هوايتي وتخصصي، وعلى الرغم من محاولة الأهل إقناعي بمواصلة الدراسة، إلا أنني لم أستطع أن أكمل، وهربت إلى صومعتي وفني حيث الحروف والرسوم والألوان.

جلطة دماغية

ويقول: ولكن القدر لم يكن رحيما معي في بعض الأحيان، فقد تعرضت لإصابة بالجلطة الدماغية العام 2013، وكان من مضاعفاتها إصابتي بشلل نصفي شمل الوجه واليد والرجل، ولكن على الرغم من العجز الكبير الذي أصاب أعضائي التي أعمل بها، واصلت الحياة مؤمنا بقضاء الله وقدره، وتم إدخالي إلى مستشفى السلمانية وفي حالة ميؤوس من شفائها، ولكني لم أيأس، وكنت أرفض الكرسي وأمسك بالحائط لكي أمشي. كنت لا أنام الليل مثل كل المرضى، بل كنت أدرب نفسي على الوقوف والمشي.

وبعد شهور من العذاب، استطعت المشي على رجلي مرة أخرى، وعدت لحياتي وسط دهشة الأطباء والممرضات، الذين لم يصدقوا أني تمكنت من المشي على رجلي مجددا

أهلي وزوجتي وابنتي

ويضيف جاسم: أخيرا انتصرت على الشلل وعلى الجلطة الدماغية، وحتى على نوبات السكلر القاتلة، من خلال وجود أسرتي وعائلتي وأهلي، فملاك “ابنتي” الجميلة التي نورت حياتي ذات الـ 3 أعوام وزوجتي التي ساندتني ودعمتني ولم تتخل عني حتى في أسوأ حالاتي، ورفضت أن تتركني وأنا مقعد على كرسي متحرك وتحملتني منذ زواجنا وما زالت، وعائلتي التي منحتني الأمل بأن الغد أفضل، وولدي الجديد “محمد” وعائلتي الممتدة ومجتمعي البحريني، كلهم شبابيك أمل ساعدتني على تجاوز المعاناة والألم طيلة مسيرة حياتي، وكذلك والدي الرسام الذي تعلمت من مدرسته أول أبجديات الرسم، والذي طالما شاركته الخطوط واللوحات؛ ليزرع في نفسي حب الوطن والأمل بالحياة والتحدي والنجاح.

مشاركة في معرض “نقش”

ويقول جاسم محمد إن مشاركته في معرض “نقش” لأول مرة في العام 2014 شكلت دعما كبيرا له، حيث حقق نجاحا باهرا أشاد به الجميع، إذ أعجبوا بتلك اللمسة المبدعة والاحتراف الذي امتلكته ريشته، فكانت أعماله ولوحاته “أنين” و “أنيس في القلوب” وغيرها من المخطوطات، تحفا جميله تمثل الإبداع في أجمل صوره، لتأتي مشاركته هذا العام وتضيف له مزيدا من النجاح والإبداع، وتؤكد أن البحريني قادر على النجاح حتى وإن كان يسير على كرسي. وأعرب جاسم عن شكره لرئيس جمعية السكلر البحرينية زكريا الكاظم ولجميع الأهل والأصدقاء والأطباء والطاقم الطبي، وقدم شكرا خاصا إلى مدرسه ومعلمه عزيز قاسم، الذي كان يشجعه على الاستمرار ليحقق النجاح.