+A
A-

ضرورات اقتصادية تفرض إعادة توجيه دعم المحروقات

يبلغ الدعم الحكومي لقطاع المحروقات أكثر من 6 % من الناتج المحلي الإجمالي، كما تصل نسبة دعم قطاع النفط والغاز إلى إجمالي الدعم الحكومي حوالي 60 %، وجاءت البحرين في المرتبة الـ 5 عالميا من حيث رخص سعر البنزين الذي يباع في الأسواق المحلية، وتحتل المرتبة الـ 3 خليجيا في رخص أسعار الجازولين.

وظلت أسعار مشتقات النفط دون زيادة لعشرات الأعوام، وكان يتم تغطية الفروقات بين الأسعار المحلية والعالمية من خلال ميزانية الدولة، إذ لم يتغير سعر الكيروسين منذ العام 1983 وظل يباع بـ 25 فلسا للتر الواحد لمحطات الوقود، وبـ 60 فلسا للقطاع الصناعي ووقود الطائرات. الأمر ذاته بالنسبة لسعر الديزل الذي لم يتغير هو الآخر منذ العام 1985 إلا في العام 2008، وكان يباع للقطاع البري بـ 70 فلسا للتر الواحد، وللقطاع البحري بـ 80 فلسا للتر الواحد، ومنذ العام 2008 أصبح سعر الديزل المحلي 100 فلس للتر لجميع القطاعات مع تطبيق آلية لتعويض الصيادين عن فارق السعر.

وكان لهذا الثبات في أسعار المحروقات تأثيرات سلبية لجهة استنزاف الموارد الوطنية، إذ كان يتم تهريب الديزل إلى الدول المجاورة للاستفادة من فرق السعر، الذي لا يقل بحال عن 20 % مقارنة بأسعارها في السوق المحلية، وكان هذا الدعم الذي توجهه الدولة لمواطنيها لا يصل إلى مستحقيه ويذهب إلى فئات أخرى خارج البلد.

وعلى الرغم من الضغوط الاقتصادية التي نتجت عن انخفاض أسعار النفط العالمية، وكذلك الاضطرابات الاقتصادية في المنطقة الناجمة عن الاضطرابات الأمنية، والفوضى التي اجتاحت عددا من الدول واتساع انتشار الإرهاب، لكن المملكة لم تتخل طوال السنوات الماضية عن دعم قطاع الطاقة بشكل كامل، واضطرت العام 2016 لتحريك الأسعار قليلا.

والمعروف أن مستوى الدعم الحكومي الذي ما زالت تقدمه الدولة لوقود الجازولين الجيد والممتاز بلغ العام 2017 ما يقارب من 41 مليون دينار، كما أنه من المتوقع أن يبلغ مستوى هذا الدعم في العام الجاري 2018 إلى أكثر من 66 مليون دينار، وما زال سعر الجازولين الجيد المعدل مدعوما بنسبة أكثر من 33 %، حيث يُباع حاليا بدول مجلس التعاون الخليجي بأسعار تتراوح بين 180 و205 فلوس للتر الواحد.

واقع الأمر، إن هناك من الظروف والتحديات التي تفرض على الدولة مراجعة الدعم الموجه لأسعار المحروقات، كما أن هناك من الأسباب التي تفرض حاليا على الدولة والمواطنين معا التحول عن نظام الدعم المعمم إلى نظام الاستهداف، الذي يستهدف توجيه الدعم إلى مستحقيه، وهذه السياسة ثبت كفاءتها وفعاليتها في الحفاظ على الموارد الوطنية واستدامتها، وهذه الأسباب هي:

أولا: متطلبات إدارة الثروات الاقتصادية المتاحة، وضرورة تنويعها واستدامتها، باعتبار ذلك هدفا استراتيجيا للدولة في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية والإقليمية على السواء، خصوصا أن الثروات النفطية “الهيدروكروبناتية” ناضبة بطبيعتها، مما يفرض العمل على رفع كفاءتها وتعظيم الاستفادة منها وإطالة أمدها، ومن ثم إتاحة الفرصة لتنويع الموارد الأخرى غير النفطية؛ كي ينعم بها كل أبناء البحرين، حاليا ومستقبلا.

ثانيا: ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، ومن ثم ارتفاع أسعار مشتقات البترول بشكل يتوافق مع كثافة استخدام التكنولوجيات الحديثة سواء في عمليات التكرير أو في الاعتماد على وسائل المواصلات الخاصة الأكثر رفاهية. ورغم اعتماد عدد من الدول الخليجية اتباع آلية لتعديل أسعار المشتقات البترولية المحلية بشكل شهري بحيث تتواكب مع الأسعار العالمية، ظلت الأسعار ثابتة في مملكة البحرين.

ثالثا: استثمار الحكومة مبالغ كبيرة بهدف تحسين جودة المشتقات النفطية مثل البنزين الخالي من الرصاص والديزل المنخفض الكبريت في حين بقيت أسعار هذه المشتقات محليا دون تغيير على الرغم مما تم صرفه من مبالغ واستثمارات كبيرة، حيث تمثل المملكة واحدة من بين أهم الدول في المنطقة التي استطاعت بناء صناعة نفطية قوية رغم محدودية الموارد النفطية بها بالمقارنة ببقية الدول المجاورة.

رابعا: الإدارة الجيدة للموارد المتاحة، وبالذات المحروقات، تؤدي عموما إلى ترشيد الاستهلاك، ولاسيما على مستوى الفرد والأسرة، فتوفر البنزين مثلا وبأسعار مدعومة أوجد ممارسات وسلوكيات غير مناسبة لدى كثير من شرائح المستهلكين، منها: الإسراف غير المبرر وغير الطبيعي، والأمثلة الدالة على ذلك كثيرة ومتعددة، فضلا عن الاستهلاك الكثيف ودون الحاجة، واستعمال البعض للبنزين الممتاز لمركبات بإمكانها استخدام البنزين الجيد.

خامسا: الأمر ذاته على مستوى الشركات والمؤسسات، إذ إن استمرار عملية الدعم غير الموجه لا يحفز الشركات على تحسين كفاءتها التشغيلية وتعظيم إنتاجيتها عند أسعار تنافسية، سيما في ظل أوضاع تفرض على القطاع الإنتاجي بالمملكة برمته تغيير بعض أفكاره وسياساته، إذ لا يخفى مدى تأثير عملية تباطؤ النمو الاقتصادي في المنطقة والعالم على مستوى ربحية هذا القطاع.

وبحسب إحصاءات لوزارة المالية، بلغت قيمة الدعم الموجه للمحروقات في ميزانية 2011 نحو 801 مليون دينار من إجمالي الدعم الحكومي الكلي الذي بلغ 1463 مليون دينار، وقد استمر هذا الدعم إلى الآن، خصوصا في ميزانية العام 2016، إذ وصل دعم المحروقات إلى 105.5 مليون دينار من إجمالي الدعم الحكومي الكلي البالغ 755 مليون دينار بمقدار لا يقل عن السبع، وهي نسبة كبيرة لا بد من إعادة توجيهها لمستحقيها.

ومن الطبيعي أن يدرك المواطنون حقيقة أن الإجراءات الأخيرة هي خارجة عن الإرادة، ولا يمكن أن تتحمل ميزانية الدولة بقاء الأوضاع على ما هي عليه في ظل الظروف الراهنة، وستظهر نتائج هذه الإجراءات الإيجابية في الفترة المقبلة، الأمر الذي يفرض على المواطنين التحلي بمزيد من الوعي ومؤازرة الحكومة لمواجهة التحديات التي تواجه المملكة. تبرز هنا أيضا حقيقتان، فمن ناحية، فإن قرار إعادة توجيه الدعم كان أحد أهم التوافقات التي تم التوصل إليها بشأن الميزانية العامة عند إقرارها، كما أن هذا القرار هو أحد مخرجات الحوار الوطني الشامل، وشاركت فيه جميع فئات المجتمع، وكان هناك إجماع على أن الدعم الحكومي لا يصل لمستحقيه، خصوصا الدعم في مجال الطاقة.