+A
A-

افتقاد كبار السن للاتصال الاجتماعي يعرضهم أكثر للموت

تنشر “البلاد” على حلقات أبرز ما يتضمنه كتاب أستاذ علم الاجتماع المساعد بقسم الاجتماع بكلية الآداب في الجامعة أحلام القاسمي الموسوم “الشيخوخة النشطة: التحديات والمؤشرات والتجارب الناجحة وتطبيقاتها في دول مجلس التعاون الخليجي”.

وأعدّ الكتاب لصالح المجلس التنفيذي لمجلس وزراء العمل ومجلس وزراء الشؤون الاجتماعية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

وذكرت القاسمي بالكتاب أن منظمة مساعدة المسن العالمية صممت منذ العام 2013، مقياسا خاصا لقياس ومراقبة الجوانب الأساسية للرفاه الاقتصادي والاجتماعي لكبار السن على مستوى العالم، وذلك على غرار مقياس التنمية الإنسانية العالمية.

والملاحظ في هذا المقياس غياب كل دول الخليج العربي ومعظم البلدان العربية، والبلدان العربيان الوحيدان اللذان شملهما المقياس هما الأردن والعراق واحتلا مراتب متأخرة، حيث احتل الأردن الترتيب الـ85، فيما احتل العراق الترتيب الـ87 من بين 96 بلداً.

بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية، فإن للشيخوخة النشطة مجموعة متغيرات أو عوامل أو محددات تتعلق بالأفراد، والأسر، والدول، وأن فهم هذه المحددات مسألة لابد منها لوضع سياسات وبرامج ناجحة، وإلا أصبح العمل على ذلك ناقصا وبلا قيمة حقيقية.

يحدد التقرير ستة محددات تتأثر بعاملين أساسيين في كل مجتمع هما عامل الثقافة والجندر. وهذه المحددات هي:

1 -    محددات الصحة والخدمات الاجتماعية

2 -    محددات اقتصادية

3 -    محددات اجتماعية

4 -    محددات بدنية

5 -    محددات شخصية

6 -    محددات سلوكية

 

1 - محددات الصحة والخدمات الاجتماعية:

يتطلب هذا المحدد أن تكون الصحة والخدمات الاجتماعية عامة للجميع من دون تمييز على أساس العمر. وهذا يعني تزويد الناس بالخدمات الصحية والاجتماعية على قدم المساواة بحيث يتمكن المسن من الوصول إلى هذه الخدمات بما يجنبه المرض والعجز، ويوفر له الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية التي يحتاجها.  وهذا يعني تطوير هذه الخدمات، وتيسير فرص الوصول إليها. والمحددات الصحية تشمل الصحة البدنية كما الذهنية؛ لأن هذه الأخيرة تلعب دورا حاسما في الشيخوخة النشطة.

2 - المحددات السلوكية:

تتأثر قدرة كبار السن – كما هي قدرة أي مرحلة عمرية - على التمتع بحياة صحية ونشطة على قدرتهم على تغيير أسلوب حياتهم فيما يأكلون ويشربون يتصرفون، فكل هذا سيكون له تأثير كبير على تجنيبهم المرض وتدهور وظائفهم الحيوية والذهنية. فتجنب التدخين يعني تجنب الكثير من الأمراض بما فيها الأمراض التي تسبب الوفاة مثل أمراض السرطان وهشاشة العظام وترهل العضلات.

وهذا لا يخص كبار السن فقط، فالعمل على “شيخوخة نشطة” يبدأ قبل دخول مرحلة الشيخوخة، فلكي يتمتع أي شاب بشيخوخة نشطة عليه أن يتجنب التدخين؛ لأن معظم الشباب يبدأون بالتدخين ثم يدمنون عليه مما يجعل مسألة التوقف عنه مهمة شاقة عليهم بعد الكبر.

ويمكن، في هذا الصدد، أن تسهم السياسات والقوانين في تخفيض أعداد المدخنين، ففرض ضرائب على التدخين وتقييد فرص الإعلان عنه يسهم في ذلك. وما يقال عن التدخين ينسحب على شرب الكحول.   

ويعد الطعام الذي يتناوله كبار السن عاملا أساسيا في تحديد “شيخوختهم النشطة”، فمعرفة ما يحتاجه كبار السن من غذاء، وما عليهم تجنبهم، مسألة أساسية.

إن الوجبات الغذائية الغنية بالدهون والسكريات والأملاح، والفقيرة في الفواكه والخضراوات والألياف والفيتامينات، هي واحدة من العوامل الخطيرة المسببة لأمراض مزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والشرايين والسمنة والتهاب المفاصل وأمراض الفم والأسنان، وبعض أنواع السرطان.

3 -    المحددات الشخصية:

تفهم الشيخوخة على أنها تدهور مطرد في الوظائف الحيوية للإنسان حين يتقدم به العمر. وهذه عملية طبيعية وتشمل كل الكائنات الحية. إلا أن ما تثبته الدراسات هو أن هذا التدهور البيولوجي هو نتيجة لعوامل متداخلة ترتبط بالجينات والبيئة وأسلوب الحياة والتغذية.

وعلى هذا، فإن تأثير العوامل الوراثية في تطور أمراض مثل السكري وأمراض القلب والزهايمر وبعض أنواع السرطان، يختلف بشكل كبير باختلاف الأشخاص، فأسلوب الحياة وتمتع الفرد بمهارات حياتية وشبكة علاقات من الأقارب والأصدقاء يمكن أن يعدّل على نحو فعال من تأثير الوراثة من حيث انخفاض تأثير المرض أو تأخير الإصابة به. وعلى هذا، فإن البشر الذي يمهدون لتغيير أسلوب حياتهم وقدرتهم على التأقلم إنما يمهدون لشيخوخة نشطة وصحية تنتظرهم في الكبر.

4 - محددات البيئة الطبيعية:

للبيئة الطبيعية أهمية كبيرة لأي إنسان، لكن لكبار السن اعتبار خاص، فالبيئات غير الآمنة وغير المستقرة والتي تفتقر لأساسيات الحياة، تؤثر على كبار السن بدرجة كبيرة.

وتشمل البيئة الطبيعية هذا كما تشمل توفر الخدمات (خدمة المواصلات مثلاً) للمناطق التي يعيش فيها كبار السن في الريف كما في المدينة، فعيش المسن في مسكن آمن وبالقرب من أهله وأصدقائه له تأثير كبير على صحته وعلى تطوير مهارات التفاعل الاجتماعي لديه.

5 - محددات البيئة الاجتماعية:

تشمل هذه المحددات: الدعم الاجتماعي، وفرص التعليم مدى الحياة، والسلام، والحماية من العنف والإساءة. إن غياب هذا يعني أن يعيش المسن وحيدا وفي عزلة وأميا وعرضة للعنف وانتهاك الحقوق وقت الصراعات والاضطرابات.

وتمثل الوحدة، وتفكك الروابط الاجتماعية، والتفاعلات الصراعية، المسببات الأساسية للتوتر بالنسبة لكبار السن.

وتشير دراسة إلى أن كبار السن اليابانيين ممن يفتقدون الاتصال الاجتماعي كانوا أكثر عرضة للموت من أولئك الذين يتمتعون بدعم اجتماعي.

6 - المحددات الاقتصادية:

هناك ثلاثة جوانب في البيئة الاقتصادية عادة ما يكون لها تأثير كبير في تحقيق “الشيخوخة النشطة”، وهي: الدخل، والعمل، والضمان الاجتماعي.

أ‌- الدخل: تحتاج سياسات وبرامج الشيخوخة النشطة إلى السعي للقضاء على الفقر بين كل الأعمار، وبين كبار السن على نحو خاص، والنساء منهم على نحو أخص، وبالتحديد أولئك الذين يعيشون في الأرياف بلا دخل ثابت أو غير ثابت، وبلا ضمان اجتماعي.

ب‌- الضمان الاجتماعي: عادة ما يكون كبار السن خارج قوة العمل، مما يعني انقطاع دخلهم الثابت. وهنا تأتي أهمية الضمان الاجتماعي الذي يعتمد عليه كبار السن اعتمادا كليا في غالب الأحيان، بل قد تعتمد عليه عوائلهم بشكل كلي. ويحتاج كبار السن توسيع مظلة الضمان الاجتماعي بحيث تشمل، إضافة إلى صناديق المعاشات والتقاعد، صناديق ضد العجز والمرض والتعطل.

ت‌- العمل: مع ازدياد أعداد كبار السن في كل مجتمع، تصبح الحاجة ملحة للتفكير في مسألة استمراريتهم في العمل والإنتاجية، وهذه مسألة مهمة للفرد المسن، وللمجتمع سواء بسواء، فالمسن يضمن بذلك استمرار الدخل من جهة، واستمرار تفاعلهم الاجتماعي وشعوره بقيمته وأهميته من جهة ثانية. كما أن المجتمع يستفيد من ذلك كقوة عمل من جهة، وتخفيض تكاليف إعالة كبار السن من جهة ثانية. وفي بعض المجتمعات قد يمثل استمرارية المسنين في العمل مشكلة لما يترتب على ذلك من حرمان الشباب لفرص العمل. الأمر الذي يفرض الحاجة إلى خلق فرص عمل جديدة تناسب المسنين وقدراتهم بما في ذلك أعمال الرعاية المنزلية، والعناية بالأطفال، خصوصا عندما يعمل الشباب خارج المنزل. كما أن الخبرة التي يمتلكها كبار السن تؤهلهم للتطوع للعمل في المدارس والمؤسسات الدينية وإدارة الأعمال والمؤسسات السياسية والصحية. أضف إلى هذا أن التطوع بحد ذاته نشاط مفيد لكبار السن؛ لأنه يزيد من فرص اتصالهم الاجتماعي ويحسّن نفسياتهم.

 

لتصحيح الصورة السلبية عن المسنين

عبء مضاعف للمرض وخطر العجز

تواجه الشيخوخة النشطة، بلا شك، تحديات كثيرة تبدأ من العبء المضاعف للمرض وخطر العجز وتنتهي بالحاجة إلى تشكيل نموذج جديد لفهم الشيخوخة.

ومن هنا جاء إطار العمل لسياسات الشيخوخة النشطة الذي وضعته منظمة الصحة العالمية. وقد وُضع إطار العمل هذا بالاسترشاد بمبادئ الأمم المتحدة الخاص بكبار السن، وهي: الاستقلالية، والمشاركة، والرعاية، وتحقيق الذات، والكرامة.

وبحسب المنظمة فإن إطار العمل يتطلب العمل على ثلاثة محاور تعتبر هي أعمدة الشيخوخة النشطة وهي محاور متضمنة في تعريف المنظمة للشيخوخة النشطة باعتبارها “عملية تحسين فرص الصحة، والمشاركة، والأمن، من أجل تحسين جودة الحياة مع تقدم البشر في العمر”.

 

1 - الصحة: التي تعني الحاجة إلى إبقاء عوامل الخطر والأمراض المزمنة في حدودها الدنيا، وفي المقابل تكون عوامل الوقاية والرعاية في حدودها العليا. وبهذا يمكن لكبار السن أن يتمتعوا بحياة طويلة وصحية كمّا ونوعاً. ويتطلب ذلك تطوير السياسات والبرامج التي تعمل على منع أو تخفيف الأعباء المضاعفة للعجز والأمراض المزمنة. وهذا يتطلب توفير معالجة فعالة، ومعيشة خالية من العوائق، والصحة الذهنية، والبيئة النظيفة. كما يتطلب الحد من عوامل الخطر والأمراض وزيادة عوامل الحماية والوقاية مثل تجنب التدخين والكحول والمخدرات، وممارسة الرياضة، والتغذية والأكل الصحي، وصحة الفم والأسنان، وتوفير الأدوية. كما يتطلب تطوير سلسلة من الخدمات الصحية سهلة الوصول، وعالية الجودة، إضافة إلى توفير التدريب والتعليم لمقدمي الرعاية لكبار السن.

2 - المشاركة: عندما يدعم سوق العمل، والتوظيف، والتعليم، والصحة، والسياسات الاجتماعية، عندما تدعم المشاركة الكاملة لكبار السن، فإنهم سوف يستمرون نشطاء ومنتجين ونافعين لمجتمعاتهم. ويتحقق هذا المحور بتوفير التعليم الأساسي والتعليم مدى الحياة للمسنين، توفير فرص العمل الرسمي وغير الرسمي، مدفوع الأجر أو التطوعي. كما يتطلب ذلك توفير شبكة مواصلات ميسرة للمسنين بما يسمح لهم بالمشاركة. وهناك حاجة كذلك إلى تصحيح الصورة السلبية عن المسنين، والترويج لصورة إيجابية.

3 - الأمن: وهو يتحقق عندما توفر السياسات والبرامج الأمن بكل مستوياته: الأمن من الأخطار والعنف والإصابات والإساءات، والأمن المالي والمادي بما يحمي المسنين من الحاجة والفقر، والأمن الاجتماعي. وهناك حاجة لتقليص اللامساواة في حقوق وحاجات الأمن بين المسنين والمسنات.

 

الأردن والعراق البلدان العربيان الوحيدان بالمؤشر وبمرتبة متأخرة

مقياس “مراقبة الشيخوخة” العالمي يقارن وضع 96 بلدا

قامت منظمة مساعدة المسن العالمية، بدءاً من العام 2013، بتصميم مقياس خاص لقياس ومراقبة الجوانب الأساسية للرفاه الاقتصادي والاجتماعي لكبار السن على مستوى العالم، وذلك على غرار مقياس التنمية الإنسانية العالمية.  والغرض من وراء ذلك هو تحفيز الحكومات والمنظمات الدولية للوعي والعمل على حاجات كبار السن.

وتم تطوير هذا المقياس بالاعتماد على بيانات الأمم المتحدة والبنك الدولي ومنظمة الصحة الدولية ومنظمة العمل الدولية، واليونسكو ومؤسسة غالوب العالمية.

وسمح هذا المقياس، ولأول مرة، بمقارنة وضع بلدان العالم من حيث جودة الحياة لكبار السن.

ويمثل المقياس أداة لقياس التقدم على مؤشراته بغرض تحسين السياسات والبرامج المتعلقة بكبار السن.

ويتألف المقياس من ثلاثة عشر مؤشراً تتوزع على 4 مجالات أساسية.

والملاحظ في هذا المقياس هو غياب كل دول الخليج العربي ومعظم البلدان العربية، والبلدان العربيان الوحيدان اللذان شملهما المقياس هما الأردن والعراق واحتلا مراتب متأخرة، حيث احتل الأردن الترتيب الـ85، فيما احتل العراق الترتيب الـ87 من بين 96 بلداً.