+A
A-

الانتخابات المقبلة نقلة نوعية في مسار عملية التطور الديمقراطي

جاء الأمر الملكي السامي لعاهل البلاد صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بتحديد ميعاد الانتخاب والترشح لعضوية مجلس النواب في 24 نوفمبر 2018، ليؤكد معاني عدة مهمة ستكون شاهدة على مجمل تاريخ مملكة البحرين السياسي.

الأول: أن مملكة البحرين ورغم كل التحديات والظروف التي تواجهها، الإقليمية منها والاقتصادية، مصرة على استكمال مشروعها الإصلاحي الشامل الذي انطلق قبل نحو عقدين من الزمان، وواصل نجاحاته حتى اللحظة من دون توقف وبلا توجيه أو ضغط من الخارج.

الثاني: أن البحرين وهي مقبلة على عرسها الديمقراطي الجديد تدشن مرحلة إضافية أخرى من مراحل العمل والبناء في جميع القطاعات والمجالات لتسطر بحروف من ذهب كيف يتكاتف أهل هذا الوطن الكرام من دون فرقة أو تمييز بين أحد؛ من أجل نهضته وأمنه واستقرار ورخاء القاطنين فوق أرضه الطيبة، مجددين عهود الولاء والانتماء والشراكة بين القيادة والشعب مثلما حدث عقب وأثناء انتخابات 2002 و2006 و2010 و2014 ناهيك عن الانتخابات التكميلية 2012.

الثالث: أن البحرين وعبر مسيرة الانتخابات النيابية جسدت حقيقة الدعم والالتفاف حول قيادة جلالة الملك والذي أرسى الأركان الرئيسة للدولة البحرينية الحديثة، وصاغ ملامح وجهها الحضاري منذ العام 1999، وقاد جلالته رحلة منجزات الوطن على مدى السنوات الماضية، ومهد الطريق لمواصلة تحقيق مزيد من المكتسبات التي نالت رضا واستحسان الرأي العام من جهة وتقدير العالم من جهة أخرى.

واقع الأمر، أن الانتخابات النيابية المقبلة تمثل نقلة نوعية مهمة في مسار عملية التطور الديمقراطي، وذلك بالنظر إلى تاريخ تطور الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد في غضون السنوات القليلة الماضية، والتي شكلت فيها الانتخابات علامة مضيئة عكست حقيقة سيادة القانون وإرادة الأمة، فضلا عن أطر الشراكة القائمة والفاعلة بين الدولة والمجتمع، وقدرة هذا الأخير بقواه وأطرافه الفاعلة على المشاركة في الطرح العام، واختيار ممثليه، ووضع آليات محددة ومقننة تمر بها عملية صنع القرار، وتُلبَى فيها احتياجات الشارع.

ويمكن تلمس وقراءة هذه الملامح بالنظر إلى مجمل نتائج مسيرة تطور العملية الانتخابية، إذ يلاحظ مثلا أن دورة الانتخابات الجديدة في نوفمبر 2018، والتي سيُفتح لها باب الترشيح في 17 أكتوبر المقبل، ستدشن الفصل التشريعي الخامس لمجلس النواب، وهو تطور مهم في رأي كثير من المراقبين على اعتبار أن الحياة النيابية تجاوزت 4 فصول تشريعية كاملة من دون توقفات جوهرية، وساهمت هذه الحياة بدورات انعقادها السنوية ورغم التحديات التي واجهتها في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي للبلاد، الذي يشكل المقوم الرئيس للبناء والتنمية ومن ثم التقدم للمجتمع.

كما أدت السلطة التشريعية في هذه الفصول المهمات الموكلة لها بكفاءة واقتدار، طرحا ومناقشة وتداولا، على الرغم من الظروف والتحديات التي واجهتها، وهو ما عزز من عملية المشاركة الشعبية في إدارة الشأن العام، وزاد من وعي المجتمع، خصوصا القانوني منه، بشأن اهتماماته واحتياجاته، والجهات المعنية بتلبية هذه الاستحقاقات، ناهيك بالطبع عن أن السلطة التمثيلية للمجتمع التي أرست الإرادة الشعبية دعائمها وضعت الأساس الدستوري والقانوني اللازم للعمل المؤسسي في الدولة، ورسمت طبيعة الحدود الفاصلة بينها، مما ساهم في تكريس مبادئ ومفاهيم سياسية مهمة، وتعميق الإيمان والعمل بها من قبيل الرقابة على الأداء العام والخضوع للمساءلة وشفافية الطرح ونزاهة الأداء وحقوق وحريات المجتمع، خصوصا خيارات الناخبين، وسبل صيانتها وغير ذلك الكثير.

يضاف إلى ذلك، أن الدعوة للانتخابات بالمملكة، وانعقاد فصل تشريعي آخر للمجلس المنتخب، سيسهمان بشكل كبير في تقوية السلطة القانونية التي يتمتع بها المجتمع في عمله من أجل خير وعموم الناس وصالح البلاد، كما أن ذلك سيدعم مستقبلا من عمل البنى المؤسسية بالدولة، والذي يعتمد مبدأي تراكم وتوطين الخبرات، ويزيد من ثبات رسوخها وقدرتها على إنجاز المسؤوليات المناطة بها، إضافة بالطبع إلى تشكيل وصياغة التحالفات المجتمعية القادرة على خوض غمار العمل السياسي والانخراط في العملية الانتخابية سواء لجهة صعود مترشحي الجمعيات ومنافسة المستقلين لهم وغير ذلك.

ويمكننا التدليل على بعض الأمور بالإشارة إلى بعض من أهم التطورات الجوهرية التي شهدتها المملكة طوال السنوات الماضية، منها: أن انتخابات 24 أكتوبر 2002 لم يتقدم لها سوى 190 مترشحا بينهم 8 سيدات (18 مترشحة في انتخابات 2006، و9 في انتخابات 2010) في حين أن المؤشرات الأولية للانتخابات المقبلة تنبئ بوصول عدد كبير من المترشحين الراغبين في الترشح وخوض غمار الانتخابات والوصول للرأي العام.

وهو الأمر ذاته بالنسبة لمستوى الإقبال على الانتخابات والمشاركة فيها من حيث التصويت، والذي بلغ في دورة 2002 أكثر من 50 % وزاد إلى نحو 72 % العام 2006 ونحو 67 % و55 % العامين 2010 و2014، وهو ما يتراوح كمتوسط عام بين مجمل الدورات بين 55 % و70 %، ناهيك بالطبع عن الكتلة الانتخابية التي يزداد توسعها واهتمامها بفعل العديد من العوامل، أبرزها زيادة الوعي والرغبة في المشاركة، إذ تشير تقارير إلى وصولها إلى نحو 424 ألف صوت بزيادة 47 ألف صوت عن حجم كتلة انتخابات 2014.

يضاف إلى ذلك، زيادة قدرة ممثلي الشعب باعتبارهم أحد أهم أدوات البناء المؤسسي والدستوري لدولة البحرين الحديثة في سن القوانين والتشريعات الضرورية، وتصاعد مؤشرات مساهمته في النهوض بالمشروعات التنموية بالبلاد، سيما لجهة الإجراءات التي يتخذها للارتقاء بأداء وكفاءة أجهزة الدولة التنفيذية، وتلبية جانب كبير من احتياجات المواطنين.

ويبدو من المهم هنا تأكيد طبيعة الالتزامات والواجبات السياسية المناطة بكل مؤسسة على حدة في دورة الانتخابات المقبلة، والتي تفرض في الحقيقة مسؤوليات أكبر على الجهات المعنية، التشريعية منها والتنفيذية سواء بسواء، إذ إن إنجازات ومكتسبات التجربة السياسية عامة والنيابية خصوصا في المملكة عقب 4 دورات انتخابية نزيهة وشفافة وولايات كاملة ستكون دافعا للمجلس الجديد بالعمل من أجل تحقيق مزيد من المكتسبات لصالح الوطن والمواطنين.

وبالتالي يتعين على المجلس المقبل الاهتمام بعدة مرتكزات منها أن هناك العديد من القضايا والملفات التي تمس مصالح الوطن والمواطنين الحياتية، وسرعة النظر فيها وبحثها، ووضع حلول عاجلة لها، خصوصا أنها كانت وما زالت بمثابة تحديات يتعين التعاطي معها بمنظور غير تقليدي وبرؤى مغايرة تركز على النتائج والحسم فيها.

كما أن الشارع البحريني ومع توقعات إقباله بصورة كبيرة على المشاركة في الانتخابات المقبلة سيكون عاملا رئيسا ومؤثرا يتعين أخذ آرائه وطروحاته في الاعتبار عند دراسة ومناقشة تحديات الإصلاح وقضاياه الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، والهدف من ذلك تحقيق تطلعات الناس والوفاء باستحقاقات المرحلة المقبلة.