+A
A-

عدم اليقين العالمي عند أعلى مستوياته

من الحقائق البديهية المعترف بها في جميع أنحاء العالم، أن الأسواق المالية تكره عدم اليقين، وهو ما يظهر جليًّا كلما كان هناك جديد في تغريدات الرئيس “دونالد ترامب” أو القضايا التجارية العالمية أو “بريكست”. ويظهر أحد المؤشرات إلى أن الشركات والمستثمرين العالميين يواجهون مستوى عدم يقين لم يسبق له مثيل من قبل، ويمكن أن يضر الاقتصاد العالمي، وهو ما يثير مخاوف المحللين والمؤسسات الدولية على حد سواء.

عدم يقين غير مسبوق

ارتفع مؤشر عدم اليقين للسياسة الاقتصادية العالمية، الذي ابتكره ثلاثة من الأساتذة الجامعيين تحت اسم “بيكر، بلوم آند ديفيز” إلى أعلى مستوى منذ إطلاقه في عام 1997، حيث بلغت تقلبات سياسات أمريكا والصين أشدها.

ويحتوي المؤشر على ثلاثة عناصر لتتبع حالة عدم اليقين، وهي تغطية الصحف، وتقارير الموازنات، والخلاف بين المتنبئين الاقتصاديين، ورغم الارتفاع الكبير له عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، والأزمة المالية، وديون منطقة اليورو، لم يصل المؤشر إلى ما هو عليه الآن.

ولا يقتصر الأمر على قلق المستثمرين في منطقة بعينها بشأن أزمة محددة، مثل “بريكست” في بريطانيا على سبيل المثال، بل يتعيّن التعاطي مع تداعيات الحرب التجارية واستقطاب السياسة العالمية الذي يغذيه صعود الشعبوية المتطرفة.

وعدم اليقين الذي تسببه الحرب التجارية العالمية والقلق بشأن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو السبب وراء ضعف النمو وفقًا لعدد من الدراسات الاستقصائية، خاصة في أوروبا، فالضبابية تدفع الشركات للتصرف بشكل غريب.

وتفضل الشركات في مثل هذه الظروف (كما في بريطانيا الآن على الأرجح) توظيف المزيد من العمال بدلًا من القيام باستثمارات كبيرة، فعملية توظيف وفصل العمالة أقل تكلفة من قرارات الاستثمار الكبيرة التي يصعب التراجع فيها وعكس أثرها.

ضعف التجارة والاستثمار

البنك المركزي السويسري حذّر يوم الأربعاء من قضايا مثل الحروب التجارية و”بريكست” والتهديدات الإيرانية المتزايدة، قائلًا إنها تغذي نيران عدم اليقين العالمي، ما يعوق استعداد الصناعات للقيام بالاستثمارات اللازمة لتحفيز الإنتاجية.

وقالت عضوة مجلس إدارة البنك “أندريا ميشلر” إن السياسة النقدية التوسعية التي تسيطر على توجهات البنوك المركزية العالمية حاليًّا هي العلاج الأنسب لانخفاض معدلات التضخم وهشاشة الاقتصادات.

وذهبت “أندريا” إلى ما هو أبعد من ذلك، بالتساؤل عما إذا كان سيؤدي عدم اليقين إلى انهيار العولمة، مضيفة أن هذه الحالة تشكّل ألمًا مضاعفًا كونها تضعف الرغبة في الاستثمار الفعلي والنظر إلى المستقبل بإيجابية. وحذّرت أيضًا منظمة التجارة العالمية من أن الصراعات التجارية المتصاعدة تهدد الوظائف وسبل العيش بشكل مباشر، حيث تثني الشركات عن التوسع والابتكار، ما دفع المنظمة لخفض توقعاتها السابقة لنمو التجارة.

وتتوقع المنظمة الآن نمو التجارة العالمية بنسبة 1.2 % فقط خلال العام الجاري (انخفاضًا من 2.6 % سابقًا)، وهي ما ستكون أضعف وتيرة منذ عام 2009 عندما تأثرت حركة التجارة بالأزمة المالية التي كانت الأسوأ من نوعها منذ الكساد العظيم.

وقال المدير العام لمنظمة التجارة العالمية “روبرتو أزيفيدو” في بيان، إن النزاعات التجارية تزيد من حالة عدم اليقين، الأمر الذي يدفع الشركات إلى تأخير استثماراتها الضرورية لتعزيز الإنتاجية ورفع مستوى المعيشة وخلق فرص عمل.