+A
A-

المثقف على الشاشة... صورة هزيلة غير منصفة

يتناقل الناس فكرة عجيبة حول الإنسان المثقّف، تفيد بأنه شخص غريب الأطوار، يرتدي ملابس غريبة، ويتكلم مع الناس بطريقة غير مفهومة ويعيش في زمان غير زماننا (إما الماضي البعيد لأنه أكثر أصالة أو المستقبل الذي يراه وحده). وأتساءل إن كانت الفكرة انطلقت أولاً بحسن نية - مثلاً - وبقصد إيجابي، من باب أن المثقف هو شخص متمّيز عن غيره؛ ومع التكرار تحولت لمزحة سمجة، ساهمت في ترسيخ تلك الصورة الساخرة من المثقف في أذهان الناس؟. الصورة التي تنال من شأنه وتحط من قدره وتجعل آراءه بلا قيمة.

ففي أحد الأفلام، نرى الشاعر يبيع أشعاره (التافهة أصلاً) بمبالغ تافهة من أجل أن يأكل، وفي غيره نراه “يسترزق” من كتابة أشعار الأفراح والنعي وتهاني الميلاد. أما إن ظهرت صورة المثقف بشكل أكثر جدية فستجدها إما شخصية منعزلة مثيرة للشفقة، أو مصابة بعقد نفسية وجنون العظمة، أو مدمنة، أو مكتئبة لدرجة عدم الاهتمام بنظافتها الشخصية، أو منافقة متملقة لأصحاب النفوذ.

يجادل المخرجون أحيانًا بأن الناس تريد أن ترى على الشاشة من يشبهها، فكأن المثقف لا يشبه أحدًا من المجتمع!. ويخشى مخرجون آخرون أن “تستثقل” الناس شخصية المثقف إن ظهرت تتكلم بطلاقة مثالية، أو “لا تصدَّق” إن أظهرها بصورة الشخص العادي الذي يتكلم ببساطة مثل باقي الناس وكأنه ليس هناك من حل وسط. وإن توصّلنا لحل يبقى علينا أن نقنع “المنتج” أيضًا والذي هو - كأي تاجر - درس السوق قبل اختيار بضاعته، ويرى بأن شخصية المثقف غير جاذبة بما يكفي للجمهور وحتى لو اقتنع فهو غالبًا لن يجازف بأن يكون أول من يكسر الصورة النمطية المعتادة ويسعى لتغييرها. ببساطة، لأن ما سبق وقُدِّم بات نجاحه مضمونًا أكثر، وباتت قدرته على إقناع الناس بأنه الحقيقة، أكبر.

وهكذا، تبقى أعمالنا إما خالية من وجود المثقف، أو تقدّم له صورة هزيلة، غير منصفة، فهل من الأفضل أن لا يكون له وجود على الإطلاق؟! أليس من مجال لتقديمه بصورة صحيحة، أو متنوعة على الأقل، مثلما نقدّم عدة أنماط من رجال الأعمال وغيرهم؟ ألا يمكننا أن نحمل همومه على محمل الجد أو نظهر له صورة مشرفة واحدة في مقابل صور كثيرة سلبية تنال منه وتبالغ بإظهار عيوبه؟

إننا جميعًا - كبشر - لا نخلو من عقد نفسية صغيرة، نتعايش معها وتترك بصماتها في شخصياتنا وطباعنا، وبعضها يزعج من حولنا أيضًا، ولكن المثقف على الأقل يحول أحزانه وهواجسه إلى قطع فنية، وموسيقية وأدبية... فيصنع منها جمالاً يشارك به الآخرين ويبقى للأبد. وهذا بحد ذاته ينبغي أن يكون مثار إعجاب ومبعث تقدير واحترام.. أليس ذلك - في النهاية - أفضل من أن يؤذي - بعقده - الناس كما يفعل البعض، أو يسمح لها بأن تدمره؟