+A
A-

لماذا يحب البحرينيون الهريس أكثر في رمضان؟

لا تكتمل سفرة رمضان في البحرين من غير طبق الهريس اللذيذ، فعادة ما يفتتح البعض إفطارهم به، وهو يعتبر المفضل عند البحرينيين منذ القدم؛ نظرا لشعبيته فهو من طعام أصيل، وأيضا لقيمته الغذائية العالية، وطعمه الخاص الممزوج بين اللحم والقمح الذي هو أساس الهريس في مكوناته ومصدرها حب القمح الذي يعد مصدرا غذائيا مهما، حيث يصنع منه أنواع مختلفة من الأطباق منها الجريش المستخدم فيه القمح المجروش، ومهمة طهيه يتطلب الكثير من الوقت والجهد، وعادة ما يتكون الهريس من حب القمح ولحم وماء وملح، ويتم تجهيز حب الهريس وغسله مرارا وتكرارا، ثم يترك منقوعا في الماء ليلة كاملة، وذلك قبل الشروع في طهيه، خصوصا وأن الطريقة التقليدية في تجهيز طبق الهريس تمنحه نتيجة أصيلة؛ لكون العمل يتم بروية وصبر، بخلاف الأجهزة الكهربائية التي دخلت في ضرب الهريس، والتي جعلته كالعجين نتيجة ضربه بسرعة قصوى!

تاريخيا لا يعلم أحد إلى أي حقبة زمنية يعود تاريخ الهريس الذي يعتبره البحرينيون وجبة أصيلة جدا، ولم يكن يصنع قديما إلا في شهر رمضان، والعيدين وفي “صباحية” العروسين، وبالتأكيد لدى الأغنياء طوال أيام العرس التي تمتد إلى السبعة أو الثلاثة أيام عند متوسطي الحال، ولا يزال طبق الهريس متربعا على عرش المائدة الرمضانية، في ظل تنوع الأطباق و”الدلفري”!

كان طبخ الهريس قديما يقتصر على الأغنياء في معظم المناسبات، وعندما يفعلون ذلك، فإنهم في العادة يبعثون بأطباق الهريس إلى كل من حولهم من الجيران سواء كانوا على علاقة بهم أم لم تكن هناك علاقة، فالناس قديما كانوا يعرفون بعضهم بالاسم وإن لم تكن هناك صداقة أو علاقة جيرة بينهم، ولا يوجد بلد خليجي لا يعرف الهريس، فهذه الوجبة هي سيدة الموائد في رمضان في كل دول مجلس التعاون، وهو يطبخ أيضا للنذور، فإن أراد شخص أن ينذر نذرا، فإن الشخص، سيدة كانت أم رجلا في الغالب يقول “سوف نطبخ جدر هريس” والجدر هو القدر... وطبعا ليس أي قدر، “جدر” الهريس يكون عملاقا؛ كي يكفي كل الجيران، واليوم طبخ قدر من الهريس لا يكلف الكثير بفضل من الله ونعمته على أهل الخليج، ولكن قديما كان طبخ قدر صغير للعائلة يعتبر غاليا رغم أن الأهالي في بعض القرى كانوا يزرعون القمح بأنفسهم ويدقونه، ثم يطحنونه، وكان في كل “فريج” أو منطقة من مناطق الخليج العربي هناك أناس يعرفون بين البقية بأنهم “خبراء هريس” من حيث الإتقان.


يتميز الهريس عندنا في البحرين بإضافة القرفة، والبعض يضيف السكر، وهي مسألة ذوق. ولكن نحن جميعا متفقون على المناسبات التي يقدم فيها الهريس، وعلى طريقة الصنع الرئيسة، وأهم ما في ذلك الاتفاق أن الهريس يطبخ على الأقل مرة في الأسبوع في شهر رمضان لدى العائلات التي ليس لديها من يقوم بضرب الهريس؛ لأن حبات القمح لابد أن تختفي ولا تترك ظاهرة للعيان. فلابد للطبق الذي يصل للناس الذين نرسل إليهم، أو للضيوف الذين يأتون لتناول القهوة أن يكون متجانسا وإلاّ سوف يقولون “هريستهم مب مضروبة عدل”. لقد تم اختراع ماكينة ضخمة تشبه تلك التي يحفرون بها الشوارع يدويا لضرب الهريس حتى يصبح متشابكا هو واللحم، فيعطي منظرا لطيفا مثل عجينة رخوة غير سائلة، ولكن يكون مذاق الهريس الذي يضرب بـ (مضراب) خشب ألذ وأشهى، ويصنع ذلك المضراب خصيصا فقط للهريس!