+A
A-

مشاهدات “شبة الشمس”... الظهيرة وما أدراك

كانت الخطوة الأولى بالنسبة لمشاهداتنا في جولة كاميرا “البلاد” في أوج اشتداد درجة الحرارة هي زيارات تفقدية - إن جاز لنا التعبير - لقسم الطوارئ والحوادث بمجمع السلمانية الطبي، بالإضافة إلى عدد من المراكز الصحية والعيادات في أيام متقطعة من أواخر شهر يوليو حتى إجازة يوم عرفة.

بيا مستريح تحت ظلال نبتة قصيرة
ففي الأيام التي تسجل فيها درجات الحرارة ما فوق 40 درجة مئوية، ومع سريان حظر العمل وقت الظهيرة في شهري يوليو وأغسطس ما بعد الساعة 12 ظهرًا حتى 4 عصرًا، فإن احتمال تسجيل حالات ضربات الشمس والإجهاد الحراري التي يصاب بها العمال تكون مرتفعة، غير أنه ولله الحمد والمنة، لم يتم تسجيل إصابات بضربات الشمس في الطوارئ أو المراكز التي زرناها، وربما سجلت حالات هنا وهناك في مستشفيات ومراكز طبية وعيادات في مناطق أخرى، إلا أن الواضح هو التزام قطاعات العمل بالاشتراطات بشأن العمل في الأماكن المكشوفة تحت أشعة الشمس مباشرة.

البلكونة اليوم تجهز بعون الله
كان المفتش هنا قبل قليل
في موقع حفريات بأحد شوارع المنامة، كان مشرف العمل يتابع مع العمال إنجاز المهمة الأخير قبل الاستراحة، ومن حسن الطالع، أن مهندس الموقع سوريش بارما يؤكد أنه من غير المسموح - وفق أنظمة شركته - الحديث للإعلام والصحافة، لكنه أشار إلى أن: مفتشًا من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية كان “هنا قبل حوالي ساعة”، والأمور على خير ما يرام.. نحن نوقف العمل قبل الثانية عشرة ظهرًا حتى الرابعة عصرًا، بل كما اعتدنا خلال السنوات الماضية، وفي بعض المشروعات التي تتطلب إنجازًا وفق جدول زمني “ضيق وخانق”، نحول العمل إلى الفترات الليلية، أي نبدأ من العاشرة ليلًا حتى السادسة صباحًا.

صلح البنجر رفيق حتى بخمسة دنانير
نعم ننجز العمل ظهرًا
ويشير رئيس عمال في موقع استبدال كابل أرضي إلى أن شركته ملتزمة، والدليل أنه لم يتم تسجيل مخالفات عليها منذ تطبيق القرار في العام 2007، لكنه يستدرك ليقول، وهو يعمل مع مجموعته في حوالي الساعة الثانية ظهرًا، إن القرار منح استثناءً لبعض الأعمال الطارئة ومنها شبكات الكهرباء، ويختصر بالقول: “بالتأكيد سنعمل وننجز المهمة في عز الظهيرة.. لماذا؟ لأن الناس في منازلهم يريدون الراحة مع أسرهم وأطفالهم، وتعلم جيدًا ماذا يعني انقطاع التيار الكهربي في هذا الوقت.. أليس ذلك صحيحًا؟”.


ومن المهم الإشارة هنا إلى أن فرق المفتشين، ولا نعلم تعدادهم بالضبط بحيث يغطون كل مناطق البحرين، إلا أن الالتزام الكبير من جانب المنشآت والمواقع الإنشائية يؤكد أن الكثير من أرباب العمل يدركون أهمية الالتزام بهذا القرار حفاظًا على صحة عمالهم بالدرجة الأولى، وكذلك لتجنب “التورط” في مخالفة قانونية قد يكون ثمنها باهظًا.

شماغ وكمام يعني أن الظهرية على ما يرام
فطور وغداء وخلصنا
دعونا نتجه إلى بعض المواقع، وربما تحدثت الصورة بشكل أدق وأوجز.. ففي دوار على شارع البديع، كانت مجموعة العمال تعمل في حوالي الساعة 10:30 صباحًا إلا أن الحر كان شديدًا والرطوبة مرتفعة، ولا يوجد مكان للاستراحة سوى “شجرة صغيرة” لا يكفي ظلها لرأس العامل فما بالك بهذا العدد! أبلغنا أحد العمال، ويبدو أنه الـ “فورمان” بأن جز العشب وتنسيق المزروعات على هذا الدوار بدأ الساعة 7 صباحًا وينتهي 11 ظهرًا، أما عن الاستراحة، فليس هنا مكان للاستراحة، سوى أننا اتجهنا وقت الإفطار لظلال أحد المباني، وما أن ننجز العمل، سنعود للغداء في مكان يتوافر فيه الظل ويكون عملنا قد انتهى.


اثنان من العمال ضبطتهما كاميرا “البلاد” في مكان عمل “لاهووووب”، وقد جلسا أسفل مقطورة شاحنة حيث المكان الوحيد للظلال.. وحولهم استمر بعض العمال في الحفر بالآليات، لكن وقت تطبيق إيقاف العمل لم يحن بعد.. والحال كذلك، فهناك الماء البارد المتوفر في الثلاجات “الترامس” المتنقلة، ولا يمانع رئيس الموقع من أخذ قسط من الراحة.

ماي بارد يسرسح على القلب.. حزته
من حق العمال الشكوى؟
في المواقع التي تكون قريبة من الشوارع أو الأحياء السكنية، وكذلك في الأماكن الزراعية أو قل تلك التي يوجد حول أو قرب مكان العمل أشجار يمكن الاستراحة تحت ظلالها، وهنا، لابد من تأكيد أن قرار إيقاف العمل وقت الظهيرة، منح العمال الحق في التقدم بالشكوى ضد أصحاب العمل في حال إجبارهم على العمل تحت أشعة الشمس المباشرة، وقد تم تخصيص رقم هاتفي هو 17870176 يتيح للعمال الاتصال والإبلاغ عن هذه المخالفة.. المهم، سألنا مجموعة من العمال: “حان وقت إيقاف العمل.. لماذا أنتم هنا؟ هل هو وقت الاستراحة تحت ظلال الشجرة أم ماذا؟”، فأشار أحدهم بقوله “الأمور بووووت أجاه.. أنجزنا العمل ونحن ننتظر قدوم الحافلة فلدينا عمل في موقع آخر ليلًا”.


مكيف السيارة “التعيس”
مشاهدات “شبة الشمس” في عز الظهيرة تجعلك تستهلك الكثير من الماء البارد وتوجه غضبك بسبب “اللاهوب” إلى مكيف السيارة التعيس حين يتكرر وقوفك لزيارة بعض المواقع، لكنه في النهاية يعمل.. وكلها دقائق وتنطلق السيارة فينتعش المكيف وينعشك، لكن ما ينعش أكثر، أن ترى تلك الرحمة من جانب أصحاب العمل أو حتى سائر المواطنين والمقيمين الذين يبثون السرور في قلبك حين تشاهد شابًا أو طفلًا أو رجلًا أو امرأة وهم يقدمون الماء البارد والعصائر والمرطبات للعمال.. “تسلمووووووووون”.