+A
A-

المُطفّفون الجدد .. مُطوّرون عقاريُون

الفلل عند 120 ألف دينار والأرباح تلامس الـ 55 ألفا

خبراء: على وزارة الإسكان التدخل لتوازن الأسعار

كلفة بناء الفيلا 35 ألف دينار فقط

التطفيف يسيطر على سوق “مزايا” والضحايا المواطنون

مطور عرض فللا بالسوق بـ 120 ألفا وباعها للوزارة بـ65 ألفا

هامش الربحية غير منطقي ومطالبات بألا يفوق 25 %

عقاريون: على “الإسكان” أن تشدد في الاجراءات

فلل عرضت بـ 95 ألف دينار ورفع السعر بعد “مزايا” إلى 120 ألفا

في البحرين تستشري ظاهرة خطيرة، تتمثل في ممارسات التطفيف من قبل بعض المطففين الجدد من المطورين العقاريين العاملين في السوق والمنخرطين في دعم مشروعات البرامج الإسكانية المشمولة بمشروع مزايا.

هذه الظاهرة لم تكن تجد أرضية مناسبة لها لولا وجود مجموعات من الشركات والأفراد الذين يعملون في سوق العقارات المحلية ممن يراعون الحق لأنفسهم ولا يراعونه لغيرهم، ويستوفون حقوقهم كاملة ويبخسون حقوق الآخرين باعتبار أولئك الحلقة الأضعف في الدائرة، فهل هذا يدخل في إطار التدليس والاحتيال والنصب؟ أم إنه سلوك جبل عليه هؤلاء المعنيون وأرادوا تطبيع فرضه وتطبيعه على من فرضت عليهم الظروف ممن لا يجدون حيلة لشراء سكن العمر؟ فهل المطففون الجدد ظالمون أم مظلومون؟ ذلك ما سنكتشفه بين جنبات الاستقصاء التالي.

 

كان ولا يزال مشروع مزايا أمل المواطن البحريني البسيط من أصحاب ذوي الدخل المتوسط الذي فتح لهم الخيار باقتناء منزل العمر، ولأن الأمل راوده ولا يريد أن يتعلق الأمل بخشبة الأمنيات ويقع.

حسن جواد أحد هؤلاء المواطنين الذين واجهتهم حالة من حالات التطفيف، رفع هاتفه الشخصي لأحد وسطاء شركة عقارية معروفة، بدأ الحديث “رأيت على حساب شركتكم في الانستغرام أرض في قرية الهملة بحجم 195 مترا مربعا، عرضتموها بـ 43 ألف دينار وتصنيفها سكني (RA) هل هذا هو السعر النهائي؟”، يجيب الوسيط (ونعني ممثل الشركة) “نعم هذه الأرض ما زالت موجودة وسعرها النهائي 42 ألف دينار”.

محدثي حسن معلقًا على ما أشار إليه الوسيط أثناء حديثه معه عن السعر النهائي قال “اتفقنا على السعر، ولكني وجدت في حسابكم أيضًا أنكم تقومون ببناء الأرض وفقًا لتفاصيل ورغبات الزبون، وأنا أريد أخذ هذه الأرض وأن أبنيها طابقا واحدا بحجم بنيان سعته (240 مترا) واشتريها وفقًا لأحكام وقوانين برنامج “مزايا” التابع لوزارة الإسكان، فكم تكون حسبة البناء والبيع لديكم”، يرد الوسيط أعطني مجال لكي أعرض الأمر على قسم التشييد لدينا وبعدها أعطيك السعر النهائي.

يقول حسن كنت متفائلا بشكل كبير، أذ إن سعر المنزل لن يفوق 90 ألف على أسوأ التقادير، بل سيكون أخفض من هذا السعر في نظري.

الوسيط في رده على ما استفسر عنه محدثي حسن “إن السعر النهائي للفيلا سيكون 120 ألف دينار”، وعلى الفور قاطعه حسن، “لماذا؟ إنه سعر كبير بالنسبة للتفاصيل التي تحدثنا عنها” فأجابه الوسيط “إن هذا سعر السوق، فإن أردت حياك الله وإلا بين المشتري والبياع يفتح الله” وعند هذه العبارة انتهت المكالمة.

“البلاد” عرضت ظروف ما دار بين محدثها حسن والوسيط إلى المختصين دون إضافة أو نقصان، فعلق أولهم وهو الخبير العقاري علي المخلوق، قائلا: “إن الربح الذي فرضته الشركة غير منطقي، ونسبة الربح المنطقية المتعارف عليها في الأوساط سوق العقار من 20 % إلى 30 % من رأس المال كأقصى حد، وغالبًا ما يكون 20 %، وهو لا يتعدى 20 ألف دينار في أفضل الأحوال، فلا أعلم لماذا فرضت هذه الشركة مبلغًا ربحيًا بهذا الحجم تحت حجة وضع السوق.

ويتابع المخلوق: “نسبة الربح الموجودة في القضية المثارة أكثر من 40 %، وهو شيء كبير، ولكن يبدو أن المطور العقاري تحدث مع نفسه، وقال: إذا كنت استطيع أن أربح 40 إلى 50 ألف دينار من هذه الصفقة لماذا أتقيد بالقليل من الربح تحت نسبة 20 % فقط”، مؤكدًا أن النسبة التي يطلبها المطور مبالغ فيها وكبيرة”، مشيرًا إلى أن مثل هذه الممارسات تحدث في السوق لطالما الأمر متروك لأمزجة المطورين.

الآلة الحاسبة

ما القيمة الحقيقية للفيلا التي استعرضنا قضيتها؟ هل سعرها ما ذكره حسن جواد بأنها لن تفوق 90 ألف كأقصى حد، أو أنها 120 ألف دينار كما قالت الشركة العقارية، طرحنا الأمر على خبير العقارات والمقاولات محمود الشيخ، وقام ببسط الموضوع قائلا: “إن سعر الأرض هو 42 ألف دينار، وهو ثاتب وواضح، وسعر بناء 240 مترا مربعا كأقصى حد للسعر التجاري للبناء 140 دينارا للمتر المربع (بناء نهائي FINISHING)، وسيكون سعر البناء حسب هذه الحسبة 33,600 دينارا طبعًا هذا سعر يشمل البناء مع الربح، وكذلك سعر الأرض مع الربح 42 ألف دينار، فسيكون مجموع سعر المنزل 75,600 دينار”.

وأوضح أن 75,600 دينار هو سعر مشمول فيها ربح في قيمة الأرض وكذلك ربح في عمليات البناء؛ كون أن الشركة المعنية تعرض وكذلك تبني العقارات، لذلك فإن السعر الحقيقي مع الربح هو ما ذكرناه، وأن مسألة رفع السعر إلى 120 ألف دينار يعني أن الشركة تربح في حدود 60 ألف دينار عن الفيلا”.

هذه القصة تكشف ما يقوم به العديد من المطورين العقاريين في السوق، إذ يبالغون بشكل كبير في رفع أسعار المنازل وفوائد عمليات البيع والشراء التي يشملها برنامج مزايا بنسبة تفوق 40 % وفي بعض الأحيان تصل إلى حد 65 % من قيمة رأس المال.

صورة مروعة

وعلى ذات الهامش تقاطعت معلومات من مصادر فضلوا عدم ذكر أسمائهم أن وزارة الإسكان قامت بشراء 100 فيلا من أحد المشروعات العقارية الذي تم إنشاؤه في منطقة جنوسان، إذ بلغ إجمالي سعر الفيلا الواحدة 65 ألف دينار، في حين قبل ذلك معروضة من قبل وسيط عقاري بواقع 120 ألف دينار للفيلا الواحدة.

ورأوا أن الفارق الشاسع بين السعرين لذات الفيلا العقارية في فترة زمنية قريبة يعطي صورة مروعة عما آل إليه موضوع التطفيف وبالذات في أسعار العقارات.

ضرورة التدخل

وبدوره، قال الخبير العقاري والمدير التنفيذي لشركة هاوس مي العقارية عمار البوسطة في نظرنا فيما يتعلق بالسكن الاجتماعي (مزايا) يجب ألا يتخطى هامش الربح حاجز (20 %) على إجمالي تكلفة البناء، إلا أن ما يحدث في السوق أن أغلب المطورين يعتمدون على تسعير العقارات وفقًا للقيمة السوقية للوحدات المشابهة حتى وإن كان هامش الربح فيها غير منطقي.

البوسطة مشددًا طالب بضرورة تدخل وزارة الإسكان في عملية تحديد سقف للوحدات السكنية المعنية بمشروع مزايا واصفًا هذا التدخل بالجيد، مشيرًا إلى أن ترك السوق للعرض والطلب مع تزايد الطلب على هذه الوحدات ستجد ارتفاعا في أسعار الوحدات بشكل أكبر.

وقال: “في اعتقادنا أن هامش الربحية يعتمد بشكل كبير على القيمة السوقية للعقارات المشابهة في المنطقة نفسها، فربما تكلف بناء وحدة في منطقة كرزكان مثلا 80 ألف دينار عند المطور (أ)، لكنها قد تكلف المطور (ب) 60 ألف دينار فقط، لسبب امتلاكه قطعة أرض منذ مدة تم الاستحواذ عليها بتكلفة أقل، إلا أن متوسط القيمة السوقية للعقارات المشابهة في السوق 120 ألف دينار، ولا يقبل أغلب المطورين بالبيع بأقل من القيمة السوقية، لذلك ستجد تفاوتا كبيرا بين أرباح المطور (أ) والمطور (ب)”.

وحول ما يتعلق بالقيمة الواقعية للفلل المعروضة للبيع وفقًا لمشروع مزايا قال: حسب العرض والطلب وعمليات التداول الحالية نجد أن الأسعار منطقية نوعًا ما، لقبول العملاء بها، لكننا لا نهمل عامل الدعم الحكومي الذي يسهم بشكل كبير في تداول هذا النوع من الوحدات عبر برنامج مزايا، وفي اعتقادنا لو لا هذا الدعم ستجد الأسعار أقل بنسب تتراوح بين 10 % إلى 15 %”.

 

الخبير العقاري علي النشابة أكد أن اقتصار السوق على مطورين عقاريين الذين لا يزيد عددهم عن أصابع الكف الواحد هو ما جعل هامش الربح والتطفيف يصل إلى ما وصل إليه؛ لأنهم يعتبرون هوامير السوق العقارية الذين يتحكمون في عملية البيع والشراء للعقارات المعنية بمزايا.

وقال: وهنالك مطورون صغار هؤلاء لا نعنيهم أبد، حيث إن تكلفة البناء لهؤلاء جدًا مرتفعة كذلك تكلفة شراء الأرض، مؤكدًا أن بناء الوحدات الخاصة بالسكن الاجتماعي تكلف ما بين 30 ألف دينار إلى 40 ألف دينار كأحد أقصى”.

وتابع: “هنالك مشروع يتبع أحد المطورين الكبار في منطقة صدد عرض الفلل بـ 95 ألف دينار وتم شراء عدد من الفلل عند هذا السعر وبعد أن طرحت وزارة الإسكان مشروع السكن الاجتماعي (مزايا حاليًا) رفع سعر الفيلا على الفور إلى 120 ألف دينار”.

الإقرار بالانخفاض

ذلك ما أفاض به المعنيون وناقشت معهم ما يدور في هذه الجنبة، ولكن يا ترى ما هو موقف وزارة الإسكان.

وزارة الإسكان أقرت في آخر إحصائية نشرتها في شهر (مايو 2020) أن متوسط قيمة الوحدة السكنية التابعة لبرنامج مزايا للسكن الاجتماعي بوزارة الإسكان انخفض من 120 ألف دينار إلى 100 ألف دينار، وأن عدد إجمالي المستفيدين من مشروع مزايا لنهاية شهر مايو 5 آلاف و449 شخصًا وفقًا لإحصاءات الوزارة.

وبحسب البيانات، فقد وصل عدد المستفيدين من الخدمة الإسكانية التي توفرها الوزارة إلى 82 شخصا خلال الفترة المذكورة، في حين يصل العدد الإجمالي للمستفيدين بالبرنامج إلى 5 آلاف و449 شخصا.

ومشروع مزايا هو أحد المبادرات التي تطرحها  وزارة الإسكان بالتعاون مع القطاع الخاص؛ لتوفير السكن الاجتماعي للمواطنين المدرجة أسماؤهم على قوائم الانتظار، وتقوم فكرة البرنامج على قيام المواطن الذي تنطبق عليه المعايير بشراء وحدة سكنية من خلال حصوله على تمويل من أحد البنوك المشاركة بقيمة أقصاها (81 ألف دينار)، على أن تقوم الحكومة بتوفير الدعم المالي للمواطن، والمتمثل في سداد الفارق بين قيمة القسط الفعلي لمبلغ التمويل المحدد من قبل البنك الممول، وقيمة القسط الشهري المستحق على المواطن والذي لا يتجاوز 25 % من راتب المواطن كحد أقصى.