العدد 5667
السبت 20 أبريل 2024
banner
محسن علي الغريري
محسن علي الغريري
هل حرية التعبير تجيز ازدراء الأديان والأنبياء؟؟
الخميس 29 أكتوبر 2020

أثارت النقاشات والتصريحات بشأن الرسومات المسيئة للرسول (ص) الكثير من الجدل حول ضوابط حرية الرأي والتعبير في المواثيق الدولية، ومدى أحقية هؤلاء في نشر هذه الرسومات والتمسك بها باعتبار ذلك يندرج ضمن نطاق "النقاش العــقلاني والحرية".

ونظراً لكون حرية الرأي والتعبير تعد من المواضيع التي دائماً ما تثير الجدل خصوصاً مع تطور وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، فقد وُضعت العديد من القيود والضوابط التي تنظم الإطار القانوني لهذا الحق حتى لا يساء استخدامه بشكل مطلق للاعتداء على حقوق الآخرين ومعتقداتهم أو أن يؤدي إلى الإضرار بالنظام العام في الدولة.

إن الحق في حرية الرأي والتعبير من فضاءات الحرية التي تعتبر من الحقوق الأساسية للإنسان وركيزة من ركائز المجتمع الديمقراطي المتحضر، فقد كفلت ذلك المواثيق والاتفاقيات الدولية، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي جاءت المادة (19) منه لتكفل لكل شخص حرية الرأي والتعبير واعتناق الآراء دون مضايقة بأي وسيلة ودونما اعتبار للحدود، وما يقارنها في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، والميثاق العربي لحقوق الإنسان وغيرها.

ومع ذلك فلم تترك التشريعات الدولية الصلاحيات واسعة لممارسة حرية الرأي والتعبير لخطورة هذا الأمر على المجتمعات، بل وضعت العديد من الضوابط في إطار ممارسة هذا الحق والتي من أهمها ضابط احترام حقوق الآخرين وحرياتهم، فقد أكدت الفقرة (3) من المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية جوازية فرض بعض القيود على الحق في حرية التعبير احتراماً لحقوق الآخرين أو سمعتهم ولحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.

ومن بين الضوابط أيضاً التي تجيز تقييد حرية الرأي والتعبير ضابط احترام المشاعر الدينية، فقد حظر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عبر المادة ( 20/2) دعوات الكراهية الدينية التي تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف، وجرمت الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان عبر المادة (13/5) منها كل ما من شأنه الدعوة إلى الكراهية القومية أو الدينية ضد شخص أو مجموعة أشخاص بناء على أسباب عدة من بينها دياناتهم.

كما أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أقرت بشكل واضح وصريح بأن الإساءة إلى الرسول محمد (ص) لا تندرج ضمن حرية التعبير عند نظرها في قضية السيدة النمساوية التي أطلقت تصريحات مسيئة للرسول، إذ اعتبرت أن هذه التصريحات تجاوزت الحد المسموح به في النقاش، وتصنف كهجوم مسيء على رسول الإسلام، بل إنها تعرض السلام الديني للخطر.

إن هذه النصوص والأحكام إنما هي غيض من فيض، توضح وفقاً للتفسير العالمي والأمريكي والأوروبي لعدد من الضوابط التي تُقيد حرية الرأي والتعبير، وهو ما يتطلب الموازنة بين الحق في إيصال الرأي والتعبير عنه دون الانفلات الذي يؤدي إلى التشجيع على الكراهية بين البشر أو العنف أو التعدي على الآخرين، فالحقوق والحريات إنما كٌفلت وأُقرت من أجل تحقيق أهدافٍ ساميةٍ لا من أجل تشجيع العنف وتغذية الإرهاب.

إن الحديث عن حرية الرأي والتعبير المطلقة التي تؤدي إلى ازدراء الأديان والإساءة إلى الأنبياء إنما هو تزيد ومغالاة في تفسير الحقوق دون قيود أو ضوابط، الأمر الذي يؤدي إلى انتهاك حق الآخرين استناداً لقاعدة أن حريتك تقف حيثما تبدأ حرية الآخرين.

وفي الختام نؤكد أن من البديهيات القانونية بأن حرية الرأي والتعبير – وفقاً للتشريعات والاتفاقيات والمواثيق الدولية - هي من الحريات النسبية التي يجب أن توضع ضمن إطارها القانوني بالالتزام بحدود النظام العام للدولة وحماية حقوق الآخرين، وليست كما يدعي البعض بأنها مطلقة لا قيود عليها لكونها "تتعلق بالحرية وضمان المساواة والقيم العالمية".

محسن علي الغريري - رئيس جمعية المرصد البحريني لحقوق الإنسان           

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية