العدد 5667
السبت 20 أبريل 2024
banner
د.حابس السماوي
د.حابس السماوي
العامل البحريني هو محور التنمية السياحية المستدامة
الجمعة 30 أكتوبر 2020

يعد قطاع السياحة من القطاعات الاقتصادية الهامة في البحرين، ويمكن لها أن تحدث تطورا اجتماعيا واقتصاديا وبيئيا ملموسا؛ اذا ما تم التخطيط لها بالشكل المناسب، فالسائح يريد أن يزور قلعة البحرين والمتحف الوطني والفورمولا ومحمية العرين وقلعة عراد ومراكز التسوق، ويهمه أن يجد أمامه مجموعة من الخدمات السياحية من فنادقومطاعم واستراحات وأماكن تسوق تلبي كافة أذواق السياح على اختلاف مستوياتهم، ويطمح السائح أن يتقابل مع أشخاص يعملون في القطاع السياحي من أبناء البحرين، وليس من دول أخرى، وذلك من أجل التعرف على الجانب الاجتماعي والحضاري لمملكة البحرين.

إن تطور السياحة في البحرين، لا يقاس بعدد السياح القادمين إلى البحرين، أو بحجم الدخل السياحي فحسب، وإنما من خلال مؤشراتاقتصادية اخرى، ومن اهمها نسبة انخراط البحرينيين في العمل السياحي، حيث إن هذه النسبة لا تزال متواضعة في حدود 22% حسب عام 2018، علما بأن البحرين من الدول التي تعاني من مشكلة البطالة. 

بعد تخرجه من الكلية العليا للإدارة توجه الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك إلى الولايات المتحدة، ولأنه لا يمتلك مصاريف الدراسة، فقدتوجه للعمل في المطاعم، (شيراك) لم يكن طاهيا، فهذه مهمة تحتاج إلى خبرة، ولم يكن نادلا، لأنه لا يتحدث الإنجليزية بلكنة سليمة، وكان الحل أن يعمل في غسيل الأطباق وتنظيف المطبخ، ولعله افتخر بها أكثر من مرة خلال مراحل حياته السياسية والمدنية.

مناسبة الحديث هو أن لدينا في البحرين نحو خمسة عشر ألف وظيفة في قطاع السياحة والضيافة، لا تجد من يشغلها من البحرينيين، فالشباب يعزف عن هذه المهن، وذلك لأسباب اجتماعية أو اقتصادية، وحتى لو التحق أحد الشباب بالقطاع السياحي في الفنادق والمطاعم، فإنه يكون في إطار عملية بحثه عن فرصة أفضل، وبعد ذلك لا يجد غضاضة في التضحية براتب جيد يحمل آفاقا متواصلة للزيادة، ويمكن في المتوسط أن يتضاعف مرة كل ست أو سبع سنوات، ليصل إلى راتب لا يتجاوز نصف ما يحصل عليه في قطاع السياحة، وضحى به في سبيل الحصول على وظيفة حكومية أو في احد البنوك مثلا.

إن المشكلة لا تتمثل بضآلة نسبة البحرينيين العاملين في المجال السياحي (22%)، وإنما لنتمعن بالمهن التي يعملون بها، فهي لا تخرج عن مهن بسيطة مثل محاسب أو سائق أو موظف أمني، وكم كنا نتمنى أن تظهر مهن ذات مهنية سياحية وفندقية عالية، ولكن هذه المهن تحتاج إلى علم وكفاءة وخبرة.

وهنا نتساءل ما سر نجاح المطبخ اللبناني في الوطن العربي والعالم، ببساطة إبان الاستعمار الفرنسي للبنان، ابتعثت مجموعة من الشباب لتعلم فن الطبخ في فرنسا، وبعد سنوات عاد المبتعثون ومعهم نواة المطبخ اللبناني، نتمنى بأن تتبنى الدولة ابتعاث مجموعة من الشباب البحريني ليتعلموا تخصصات مختلفة في المطاعم والفنادق والسياحة، وبصراحة بعد معايشة دامت نحو أكثر من عشرين عاما بيني وبين شباب وشابات البحرين، فقد وجدت فيهم كل الصفات التي يبحث عنها سوق العمل السياحي، وبالتدريب والتحفيز المتواصل ممكن رفع كفاءاتهم وقدراتهم كي ينخرطون بسوق العمل السياحي بكل حرفية واقتدار.

  وللحق قامت هيئة البحرين للسياحة والمعارض في 27 سبتمبر من عام 2018، بافتتاح كلية فتيل الفرنسية للضيافة في منطقة الجسرة، وهي تستوعب سنويا نحو 30 طالبا بحرينيا من خريجي الثانوية العامة، ومن المؤمل أن تقوم هذه الكلية برفد احتياجات سوق الضيافة بالمهن الفندقيةذات الكفاءة العالية.

إن أصحاب المشاريع السياحية في البحرين، يعلمون أن البديل متوفر من غير ابناء الوطن، وبالتالي تتراجع الفرصة لتشغيل أبناء الوطن، لأن شروط العمل الموجودة لا تتوافر فيهم، ويشعر العامل البحريني بالغبنلأنه لا تتوفر فيه الكفاءة والمهارة، لأنه لم تتاح له الفرصة المناسبة.

  في البحرين، يعزف الشباب عن العمل في مهن السياحة والضيافة؛ لأنها غير مقبولة اجتماعيا، فهي من وجهة نظرهم تنتقص من المكانة الاجتماعية للفرد، ويفضل البعض أن يجلس في منزله، بدلا من العمل في هذه الوظائف، والتغيير يتطلب حملة من التوعية الجدية، وزيادة الاحترام لهذه الوظائف في ثقافتنا الشعبية، وعدم الدعاية عن طريق قصص النجاح أو الإعلانات التلفزيونية، فهذه وسائل أثبتت عدم تمكنها من تحقيق أي شيء ملموس. والطرح الآخر والمهم هو تدني معدلات أجور العاملين في قطاع السياحة والضيافة، لا سيما المبتدئين منهم.

والسؤال، هل توقفت القدرة الإبداعية على إدارة حملة توعوية شاملة، تخاطب الجمهور بطريقة يتفهمها؟ أم أن ما يسمى بثقافة العيب، أصبحالمصطلح الأكثر استخداما ليمثل المشكلة المستعصية، مع العلم أن تاريخ البحرين حافل بشخصيات امتهنت السياحة والضيافة وتركوا وراءهم ارثا غنيا، وغالبيتهم تدرجوا في هذه المناصب من بداياتها الى أن وصلوا الى قمة الهرم، نذكر منهم محمد بوزيزي وهو أول مدير فندق دولي في البحرين، تدرج بالمناصب الفندقية المتواضعة الى أن أصبح مديرا عاما لأحد فنادق البحرين ذات الخمس نجوم، وعقيل رئيس الذيايضا تدرج في المناصب الفندقية الى أن بلغ الرئيس التنفيذي لمجموعة فنادق الخليج، وعبدالرحمن مرشد والذي وصل كرئيس تنفيذي لشركة الفنادق الوطنية في البحرين، وعبدالنبي الديلمي والذي أصبح الرئيس التنفيذي لإدارة شركة البحرين للسياحة، والدكتور كاظم رجب والذي استلم الوكيل المساعد لشئون السياحة في الفترة 1998-2005، واليوم هو رئيس مجلس ادارة شركة الجزيرة للسياحة، وعبد الرحيم السيد يشغل اليوم المدير العام لفندق الجولدن توليب، وأشخاص كثيرون وضعوا بصماتهم في مجال صناعة السياحة والضيافة في البحرين لا يتسع المجال لذكرهم.

القضية شائكة ولكنها قابلة للحل؛ المشكلة ليست في آلاف الوظائف الضائعة على البحرينيين، ولكن في الأموال التي تخرج من البحرين في صورة تحويلات مالية صعبة، وهذه الأموال لو بقيت في البلد لدخلت عجلة التطور الاقتصادي بصورة منتجة ومضاعفة، لا بل وتساهم في قوة الدينار البحريني.

ان العمالة العمالة الوطنية في القطاع السياحي هي التي يمكن أن تفرض شروطها على القطاع السياحي، ويبدو أن المنشآت السياحية تعتمد على معادلة غير منصفة، فهي تستعين بأيدي عاملة رخيصة من خارج البحرين، وفي الوقت نفسه لا تعمل على تخفيض أسعارها، ولا تحقق للبحرين أي ميزة تنافسية سياحيا، فهي تستنزف السائح في برامجها التي تستفيد منها بعض شركات السياحة، ولا تترك للسائح فرصة للخروج عمليا والإنفاق بما يفيد القطاعات الأخرى، وتطلب من الموظف الانصياع للعمل وفق شروطها، وقانون العمل لا يوفر الحماية لموظفي بعض القطاعات، مع أن الأصل أن يكون القانون مرنا في تعامله مع بعض القطاعات التي تعتبر قطاعات نامية.

كما أصبحت السياحة من أكبر القطاعات التي تساهم في الناتج العالمي، حيث تساهم بما نسبته 15%، مقارنة مع 4% فقط للزراعة، و11%للخدمات المصرفية، و14% للصناعة بشكل عام، و%6 للاستثمار، و%12 للصادرات البترولية. وقد شكلت إيرادات السياحة العالمية نحو 7 إلى 8% من إجمالي صادرات العالم من السلع والخدمات، وذلك وفقاً للإحصاءات الصادرة عن منظمة السياحة العالميةعام 2018.

المطلوب؛ نظرة معمقة في القطاع السياحي من الداخل، والسعي نحو الاستعانة بالكفاءات الوطنية ضمن خطة تتسم بالفعالية وتتوفر لها المتابعة الدائمة، وليس الاستمرار في الفرجة على قطاع واعد يفيد الكثيرين باستثناء اهل البحرين، لا نريد تطبيق موضوع البحرنة في الوظائف، ولكن نحتاج أولا الى رفع مكانة العامل البحريني وتأهيله جيدا، ثم نقوم بعملية الاحلال التدريجي، ضمن خطة مدروسة.

بالطبع نسوق هذا الكلام ونحن والعالم نعيش جائحة كورونا، ومع كل الأسف أن السياحة والضيافة كانت من أكثر القطاعات المتضررة بهذا الوباء، والذي أدى الى اغلاق مطار البحرين امام حركة المسافرين، وغلق جسر الملك فهد وهو المسؤول عن 90% من حركة السياحة الوافدة، وتوقف ميناء سلمان عن استقبال حركة البواخر السياحية. بالطبع لا تستطيع البحرين فتح كافة معابرها حالا، لا بد من السيطرة على انتشار الوباء أولا، وثانيا اللجوء الى الأسواق السياحية الأقل تفشيا للوباء، وثالثا وضع الضوابط والاحترازات لحماية ضيوف البحرين وزوارها، ورابعا العمل على تنشيط السياحة الداخلية.

 تحتاج البحرين اليوم الى وضع خطط واستراتيجيات جديدة للسياحة، بحيث يتم تنمية وتطوير الموارد البشرية البحرينية، بحيث تتماشى مع متطلبات واحتياجات سوق العمل السياحي والفندقي، فهل يعقل بأنه لغاية اليوم لا يوجد العدد الكافي من المرشدين السياحيين المرخصين في البحرين، مع العلم بأن هذه المهنة تلقى قبولا واسعا عند أبناء البحرين، كما أن أكثر من 50% من مهن شركات السياحة والطيران هي عمالة أجنبية، مع العلم أن البحرينيين قادرين على العمل في هذا المجال بنسبة أعلى بكثير، وأن هناك العديد من المهن سواء في مجال الفندقة والصناعات الحرفية يستطيع أبناء البحرين اشغالها، فهل ذلك اليوم ببعيد، حينما نسمع أن نسبة البحرينيين العاملين في قطاع السياحة والضيافة نحو 70%، لا أعتقد أن هذا مستحيلا؟؟

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .