العدد 5635
الثلاثاء 19 مارس 2024
banner
وديعة الوداعي
وديعة الوداعي
متشردٌ أنا
الخميس 14 يناير 2021

لطالما أحببت فكرة أنني شخص عفوي واجتماعي بطبعي على الرغم من المواقف المضحكة والغريبة التي أقع فيها بسبب هذا الشيء، ومطالبات المقربين مني السيطرة على هاتين الصفتين بالتحديد، لكن مع الأسف فالطبع دائمًا ما يغلب التطبع. أيضًا وهذا أمر لا يحدث إلا مع عدد قليل من الأشخاص ولا أعلم حقًا نوعية الطاقة التي تجذبني لهم، فأنا أحب الخوض في حوارات عميقة مع أشخاص عرفتهم للتو، أحاديث من خلالها أتعرف على أنماط تفكيرهم، معتقداتهم، نظرتهم للحياة والأهم أفكارهم العميقة منها والسخيفة، إذ لا وجود لفكرة سخيفة حسبما أعتقد.

اعتدت ممارسة هذه العادة مع أي شخص أقابله، وفي أي مكان إلا في مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت من وجهة نظري زاخرة بالعقول السطحية والحوارات الفارغة، ولأنني أؤمن بالتواصل البشري المباشر، إلا أن هذه المرة تغلبت على هذا الأمر، فالتواصل البشري وإن كان بلغة مختلفة إلا أنه ناجح إذا تحدث بلغة واحدة وهي المشاعر كما تقول الإعلامية أسرار الأنصاري "الشعور هو سيد اللغة".

بعد مضي ثلث الوقت والأسئلة المختلفة في صياغتها المتشابهة في معناها، سألت هذا الصديق سؤالًا دون تحضير: لو لم تكن أنت فمن تود أن تكون؟ وجوابه هو ما ألهمني لكتابة هذا المقال وأعتقد أنكم ستفاجأون كما تفاجأت. قال: أريد أن أصبح متشردًا!

وعندما سألته قال: أريد أن أكون شخصًا بدأ من الصفر لأنه سيكون الاختبار الحقيقي لي في الحياة، أنا نشأت مع مميزات متواضعة وموجودة ولكني أريد أن أرى كيف سأكون؟ وماذا كنت سأفعل في حياتي إذا نشأت من دون عائلة وإذا انتهى بي الأمر بلا مأوى ولوحدي.

حين أمعنت التفكر في حديثه وجدت أن الإنسان شخص مشرد لو تجرد من كل المميزات التي لديه والتي لا يستحقها بشكل كلي، فهو لا يمتلك سوى اسمه وأخلاقه فقط، وما دون ذلك إما أن يكون مكتسبًا أو ممنوحًا له من العائلة أو الأصدقاء. فلا هو الذي يمتلك لقبه العائلي، ولا مدرسته التي درس فيها. إن استحقاقية الإنسان تبدأ عندما يقرر أن يتخلى عن حياة التشرد ويبحث على سبب وجوده في الحياة ويعمل للوصول إليه. حين يجتهد ويعمل لبناء عقل وفكر وأطباع تنتمي إليه وليست بسبب تأثير خارجي، وعندما يتوقف عن لوم الآخرين على فشله وقلة حظه، لطالما كانت رحلة البحث عن الذات مجهدة وقد تستغرق من عمر الإنسان الكثير الكثير، ولكن ما يشفع لنا أننا في هذه الرحلة نكتشف من نحن ما الهدف الأسمى لوجودنا فيه.

نحن متشردون إذا ما حررنا عقولنا من الأفكار الرجعية في الحياة، إذا توقفنا عن المحاولة وتوقفنا عن كتابة أقدارنا وقصصنا الخاصة معتمدين في ذلك على تجاربنا الشخصية، نجاحاتنا وإخفاقاتنا، ودائرة الحياة الأخرى التي نحيط أنفسنا بها لنتعلم ونستلهم ما يتناسب معنا ويساهم في تطورنا وتقدمنا خطوة للأمام. نحن متشردون إذا ما توقفنا عن المسائلة، وكسر الدائرة التي بداخلنا، الدائرة التي تؤدي لذات السلوك بكل مرة، لذات الشعور.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية