العدد 5670
الثلاثاء 23 أبريل 2024
banner
شيرين فريد
شيرين فريد
حين تمسي بلا ليلي حكاياتي
السبت 11 سبتمبر 2021

لم أشعر يوماً برهبة العلاقة كونها أمي وأنا صغيرتها التي اعتادت الشغب، فمنذ نعومة أظافري وهي تعلم جيدًا أن عُقلة الإصبع تلك التي شاءت الأقدار أن تكون آخر العنقود ستُحدث الكثير والكثير من الشغب ولابد لها من إستعداد تام كذلك الذي يعدونه عند قدوم مسئولين رفيعي المستوى في زيارة رسمية. لا أعرف بالتحديد متى وكيف بدأ الأمر، ربما في مرحلة دراستي الثانوية حين كنت أنفق كل مصروفي على اقتناء الكتب وخاصة لكاتبي المفضل مصطفى محمود رحمه الله، فمن الوهلة الأولى التي تنظر فيها إلى عيني تفهم ما قمت به.

لم أشعر أبدا بالخجل منها حتى مع أشد درجات أخطائي، كانت نظراتها الحنونة الدافئة إلى عيني تحتضني تذيب جبال الجليد وإن كانت، تحتضني بكل تفاصيلي حتى المتمردة حتى تهدأ ثورتي ويجف طوفان إنفعالي ثم تغمرني بحنان لا مثيل له.
لم تتخلْ أمي عني قط في أحلك ظروفي الحياتية وأسوأها. تكمل نقصي، تزيد اكتمالي، تنبش في جنبات روحها عما يسعدني وتطعم به روحي، هي من تمُد قلبي وأوعيتي بالنبض.
فقد جمعتنا عديد المشاعر، كل المشاعر التي لم ولن يفهمها أحد سوانا. تجمعنا لغة خاصة ليس بوسع أحد إستيعاب مكنونها لأننا وحدنا صانعي الشفرة.
لم أرى أرقى من عقلية أمي في فهم وإستيعاب طبيعة شخصيتي، ولم أفتقد أحد مثلما افتقدها في هذه الليال الطوال، فأظل دونها جسد بلا روح يحيا فقط من أجل اللقاء.
يمر يوم مولدي كل عام بطقوس خاصة وطابع أسري مختلف، حتى عندما كبرت لا أشعر بلذة الاحتفال إلا بحدوث شيئين. أولهما كعكة البسكوت بالجيلي من يدي أمي الجميلة والآخر هو زهرة عصفور الجنة من يد أبي أعظم الرجال.
لقد حاولت يا حبيبتي أن أعوض نفسي تلك المشاعر الدافئة التي افتقدها، أن أعوض حنيني لسماع صوتك ولمسة يديك الحنونتين، أن أعوض إشتياقي لأنفاسك لروحك لوجهك الصبوح وتوجهت إلى مطبخي في محاولة بائسة لإستحضار صورة تصويرية لكعكتك التي طالما إعتدت عليها، ظنً أن ذلك سوف يجلب لي المزيد من الأمان والدفء وأنه سيعوضني ولو بقدر قليل عن ألم إفتقادك الذي رسمته المسافات.
كانت جميلة الشكل لكنها فارغة، فارغة تماما من أي احساسيس أو مشاعر، تشبه الأكل الشهي الذي نشاهده في الإعلانات، رائع المظهر لكنه لا يصلح للأكل. وما صنعته لم يخسر القابلية لشئ سوى لأنك لست معي.
شعرت بغصة في حلقي، لفظتها مع أول قضمة وتبعتها ببكاء هستيري.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية