العدد 5635
الثلاثاء 19 مارس 2024
banner
عبدالله خليفة الحمادي
عبدالله خليفة الحمادي
‏ماذا أعدت البحرين لاحتضان التكنولوجيا المالية؟
الأربعاء 13 أكتوبر 2021

‏لقد قامت مملكة البحرين بتوفير كل المقومات اللازمة لتوفير بيئة اقتصادية حاضنة للمؤسسات العاملة في مجال الصيرفة والمالية، وهذا الأمر ليس بالشيء الصعب من الناحية العملية، ولكن ما الذي قامت به البحرين من أجل تفعيل مكانتها في المجال المالي وبالأخص مع بزوغ فجر عصر التكنولوجيا المالية (FinTech)؟

‏ منذ عام 2017 ، خطت مملكة البحرين خطوات مهمة لتوفير المقومات اللازمة للدخول في عصر التكنولوجيا المالية الحديثة، وكان أول هذه الخطوات إطلاق استراتيجيتها الوطنية الرقمية لمواكبة أحدث التطورات في القطاع تكنولوجيا المعلومات، وهذا الأمر هو أحد الأمور الأساسية اللازمة لنمو قطاع التكنولوجيا المالية، وكان رائد هذه المسيرة هو مجلس التنمية الاقتصادية، الذي كان ولا زال يقوم بالتنسيق بين جميع مؤسسات الدولة لكي تكون مستعدة لدعم هذه الاستراتيجية الوطنية لبناء اقتصادي معرفي متكامل.

 

بنية اتصالات متطورة
‏دعونا نستعرض مقومات المملكة على صعيد تكنولوجيا المعلومات، فبحسب آخر التقارير الصادرة من هيئة تنظيم الاتصالات البحرين، كانت نسبة اختراق الهاتف المحمول حوالي ١٢٠٪ لكل فرد في البحرين، وهذه النسبة واحدة من أعلى معدلات نسبة امتلاك خطوط الهواتف المحمولة حول العالم، ‏أي ما يعني أن لكل شخص على الاقل هاتف محمول واحد، ومما ساعد على ارتفاع هذه النسبة هو تحرير سوق الاتصالات في المملكة من خلال فتح المجال المنافسة، لتصبح لدينا في المملكة ثلاث شركات اتصالات، وهذا يساهم في توفير بنية اتصالات متطورة تكون عوناً في مجال تكنولوجيا المعلومات، ويصاحبها ارتفاع في سرعة خدمات الإنترنت مع انخفاض التكلفة مقارنة بباقي الدول في العالم.

وكذلك تمكنت المملكة من استقطاب شركة (Amazon AWS)  المتخصصة في الحوسبة السحابية لفتح مركز إقليمي لخدمات الحوسبة السحابية، و شركة (Amazon AWS)  هي شركة تابعة لعملاق التكنولوجيا الأمريكي آمازون، وتكمّن أهمية هذا الإنجاز هو المساهمة في تخفيض تكلفة تكنولوجيا المعلومات لجميع المؤسسات العاملة في البحرين، من خلال الاستغناء عن الخوادم التقليدية التي تتطلب تكاليف تشغيلية كبيرة كتوفير أماكن مبردة وحماية الأمية أو حتى تكوين خطط  بديلة للتشغيل في حالة الطوارئ أو عدم إمكانية الوصول لهذه الخوادم، كل هذا لم يكن ممكنا لولا تطور سرعة الإنترنت في البحرين نتيجة تحرير قطاع الاتصالات و الجهود الدؤوبة لمجلس التنمية الاقتصادية لجذب الشركات العالمية في البحرين، و هذا يجعل البحرين أحد المراكز الهامة للحوسبة السحابية في الشرق الأوسط، وتقديم الخدمات ذات الصلة لأسواق كبرى في المنطقة.


خلق فرص التطوير

‏ومن ناحية الشمول المالي وبحسب البيانات الصادرة من مصرف البحرين المركزي، تمتلك البحرين نسبة عالية من ناحية امتلاك الافراد للحسابات البنكية، ففي نهاية العام 2019 كانت النسبة 142% مما يعني امتلاك كل فرد مقيم في البحرين 1.4 حساب مصرفي ، وهذا المقياس للشمول المالي يعزز الفكرة بأن البحرين من البلدان التي تمكنت من تمكين الأفراد لوصول للخدمات المصرفية، وبالتالي تمكينهم من الوصول للائتمان، والذي يساهم في تطور الاقتصاد وخلق الفرص لتطوير المجتمع. 

‏وعلى هذا الأسس التكنولوجية والمصرفية استطاعت البحرين في البدء لاستراتيجيتها لاجتذاب شركات التكنولوجيا المالية وبالأخص الناشئة منها، عن طريق تهيئة البنية التحتية القانونية والرقابية لتأسيس هذه الشركات أو اتخذها البحرين مقراً رئيسيا لها، فكانت أول هذه الخطوات هي تأسيس وحدة التكنولوجيا المالية في مصرف البحرين المركزي في العام ٢٠١٧م، والتي تتبع إداريا محافظة المصرف مباشرة ، وتلت هذه الخطوة وضع الإطر التنظيمية لخلق المنظومة التجريبية والتي تسمى(sandbox) ‏أو صندوق اللعب، وهذه المنظومة التجريبية (sandbox) 
‏مهمة جدا للشركات  الناشئة والتي تعمل في مجال التكنولوجيا المالية، وصندوق اللعب عبارة عن بيئة تشبه المختبر، تمّكن هذه الشركات من تجربة حلولها المالية على بيانات مصرفية حقيقية دون أن تتأثر هذه البيانات وكذلك من دون الإخلال بقوانين حماية المعلومات التي أقرتها البحرين، وبحسب موقع مصرف البحرين المركزي توجد حالياً 25 شركة ناشئة تختبر حلولها المالية بشكل فعال في هذه المنظومة التجريبية، ومنذ تأسيس هذه المنظومة في العام 2017 خرجت منها عدد من الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا المالية، ،من أبرزها شركة رين (Rain) التي تتخذ من البحرين مقراً لها، وسنقوم بالتطرق إليها لاحقاً، كذلك في ذات العام (٢٠١٧م) قام المصرف بإصدار المنظومة الرقابية اللازمة للترخيص لشركات التمويل الجماعي(Crowdfunding).

 

شركات التكنولوجيا المالية

التمويل الجماعي ظهرت للمرة الأولى في العام 2008، إذ كانت الشركات الناشئة تعاني من أزمة تمويل نظراً للوضع الاقتصادي العالمي المتردي أنذاك، فنشأت مواقع إلكترونية أتاحت للمبتدعين جمع الأموال من الجمهور مقابل بيع حصص ملكية متناهية في الصغر لهم، فعلى سبيل المثال كان باستطاعة الفرد أن يستثمر في تلك الشركات الناشئة مقابل دولار واحد مقابل حصة ملكية متناهية في الصغر، وهذا الأمر لم يكن ممكناً إلا عن طريق بيوت الاستثمار و المصارف، ومع التطور التكنولوجي وصعود نجم الهواتف والتطبيقات الذكية، جاءت الحاجة لتنظيم التمويل الجماعي بما يساهم في حماية الجمهور من احتمالية حدوث قضايا احتيال على الجمهور، فبدأت المصارف المركزية حول العالم في احتضان هذه الفكرة وتنظيمها بما يساهم في حماية الجمهور، وكان لمصرف البحرين المركزي تحرك سريع في إصدار التشريعات الرقابية اللازمة لتمكين شركات التكنولوجيا المالية العاملة في مجال التمويل الجماعي من العمل بشكل رسمي تحت إشراف المصرف، وعلى الرغم من عدم وجود أي شركات عاملة في هذا المجال حاليا في البحرين، إلا أننا شهدنا تأسيس شركات في مجلس التعاون الخليجي وبالأخص في المملكة العربية السعودية التي احتضنت عدة مشاريع محلية في هذا المجال من أبرزها شركة التمويل الجماعي المحدودة (سكوبير) وشركة منافع المالية.
المنظومة المصرفية المفتوحة

‏وفي العام 2018 قام المصرف بإصدار التشريعات الرقابية اللازمة لتفعيل واحدة من أهم منتجات المتطورة في مجال التكنولوجيا المالية، ألا وهي منظومة المصرفية المفتوحة(Open Banking)، ومن أبرز النتائج الممكنة التي سوف تلامس المستهلك النهائي بشكل مباشر هو تمكين مستخدم الخدمات المصرفية الذي يمتلك أكثر من حساب في بنوك مختلفة من عرض جميع حسابته المصرفية على شاشة واحدة، وهذا من شأنه أن يقلل من تعقيد استخدام الخدمات المصرفية على الإنترنت للفرد، وفي المستقبل القريب قد نرى شركات تكنولوجيا عاملة في البحرين تمنح الفرد إمكانية دفع جميع الالتزامات المصرفية بضغطة زر واحدة من خلال الدخول على تطبيق ذكي واحد عبر الهاتف المحمول، وفي العام 2019 أصدر المصرف التشريعات الرقابية الخاصة بالأصول المشفرة (Crypto Assets)، وهذا التشريع يختص بتنظيم بيع وشراء العملات المشفرة كالبتكوين وغيرها من العملات الأخرى،ونتيجة لهذا التشريع وبالإضافة لمنظومة التجربة (Sandbox) الخاصة بالمصرف، شهدت تأسيس شركة متخصصة في تداول الأصول المشفرة وهي شركة رين (Rain) البحرينية، والجدير بالذكر بأنها أحدى مخرجات المنظومة التجريبية (Sandbox) لمصرف البحرين المركزي، ورين هي بورصة مقرها البحرين، متخصصة في تداول الأصول المشفرة وبالتحديد العملات الرقمية، وهي مرخصة بالكامل من مصرف البحرين المركزي وتخضع لإشرافه في هذا المجال، ومن المتوقع أن نرى المزيد من التطور في مجال التكنولوجيا المالية ومواكبة المصرف لهذه التطورات عن طريق إصدار التشريعات الرقابية اللازمة والتي سوف توفر البيئة القانونية اللازمة لتأسيس شركة التكنولوجيا في البحرين خلال الفترة القادمة.


الهوية عبر التطبيقات
‏ومن أبرز المشاريع المنجزة في قطاع التكنولوجيا المالية على المستوى الوطني، هو مشروع اعرف عميلك إلكترونياً (eKYC) ، وهذا  المشروع أحد الأجزاء الرئيسية من استراتيجية المملكة للتحول الرقمي للقطاع المالي، حيث قامت شركة "بنفت" (Benefit) بالتعاون مع هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية (iGA) و تحت إشراف مصرف البحرين المركزي من بناء قاعدة بيانات وطنية رقمية للهوية، تمكن المؤسسات العاملة في القطاع المالي من التحقق بشكل أعمق من هويات العملاء وصحة معلوماتهم بالإضافة إلى مشاركة البيانات رقمياً قبل تقديم هذه المؤسسات للخدمات المالية لعملائهم، ومن شأن هذه الخدمة أتاحة الفرصة لشركات التكنولوجيا المالية من التحقق من هويات العملاء عبر تطبيقاتهم الذكية، وذلك بالتزامن مع انطلاق الخدمات المصرفية المفتوحة في المملكة.
توفير الحاضنة المساعدة

‏ومن  الإضافات التي كانت نتيجة مباشرة لعمل مجلس التنمية الاقتصادية هو إنشاء خليج البحرين للتكنولوجيا المالية، والذي يوفر الحاضنة المساعدة لكل من لديه فكرة في مجال التكنولوجيا المالية، ويمتلك خليج البحرين للتكنولوجيا المالية عدة برامج تدريبية تحت مسمى المسرعات التكنولوجيا لمساعدة الشركات الناشئة في التطور، كما يوفر خليج البحرين للتكنولوجيا المالية إمكانية التواصل مع اللاعبين الأساسين والمؤثرين في القطاع المالي من مستثمرين ورواد الأعمال وجهات الحكومية، كما يوفر خليج البحرين للتكنولوجيا مساحة عمل مشتركة لتمكين الشركات الناشئة من استئجارها برسوم رمزية واتخاذها خليج البحرين كمقر لعملياتها، كل هذه الحلول والمبادرات هي جزء من استراتيجية البحرين الوطنية للتمكين الرقمي وبناء اقتصاد معرفي، ومن شأن هذه المبادرات أن تدعم مكانة البحرين في مجال التكنولوجيا المالية، تكون البحرين واحة لأستقطاب الشركات الناشئة وتجربة حلولها المالية في البحرين، لتكون البحرين البوابة نحو سوق الشرق الاوسط ، والذي يحتوي على أكثر من 436,000,000 نسبة، فتكون مكان التجارب و تطوير الابتكار والإبداع  لإنتاج الحلول المالية وثم التوسع نحو الأسواق الأخرى.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .