العدد 5666
الجمعة 19 أبريل 2024
banner
حسين كاظم
حسين كاظم
الحماية الجنائية للجنين بين الشريعة والقانون
الجمعة 29 أكتوبر 2021

لما كانت الشريعة الإسلامية والقانون يحميان حق الجنين في الحياة، فله حق العيش سليماً وأن تتم مراحل تطوره طبيعياً، ولهذا فإن الاعتداء على الجنين يشكل اعتداءً على إنسان لا يختلف من ناحية الإنسانية عن الكبير، وإن كانت العقوبة تختلف شدة وضعفاً بين مراحل تكوينه فهي تشتد كلما دنا إلى الاكتمال.
وأهم جرائم الاعتداء على الجنين والإضرار به هي جريمة الإجهاض وهي إحدى الجنايات التي يتعرض لها الجنين، معناه القضاء على النشوء الضعيف الوجود في بطن أمه ووئده دون سبب، أي أنها عبارة عن قطع هذه الصلة التي تربط الجنين بأمه بإخراجه من الرحم بأي وسيلة، أو الاعتداء عليه بما يسبب خروجه من الرحم قبل اكتمال أحشائه، مما يؤدي إلى موته في أكثر الأحيان لعدم استطاعته مواصلة الحياة مستقلا عن أمه.
إن هذا الموضوع له أهمية بالغة لأنه من الموضوعات الحيوية والهامة، إن الجنين هو ما تكون في رحم المرأة عند التقاء الحيوان المنوي ببويضة الأنثى، واختلاطهما معاً، بمعنى فصل الجنين عن الرحم في غير موعده الطبيعي وبغير ضرورة، أو هو إخراج الحمل من الرحم في غير موعده الطبيعي عمدا وبلا ضرورة، بأية وسيلة من الوسائل.
والمقصود بالإجهاض طبياً أنه خروج متحصلات الرحم قبل تمام الأشهر الرحمية المقررة أو هو انتهاء الحمل قبل الأسبوع الثامن والعشرين أي في السبعة الأشهر الأولى من بدء الحمل أو في خلال الستة أشهر الأولى لدى البعض الآخر.
وفقهاء القانون الوضعي شاركوا في تعريف الإجهاض منها على سبيل المثال ما يلي:
1. إخراج الجنين عمدا من الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته أو قتله عمدا في الرحم.
2. إنهاء حالة الحمل عمدا قبل الأوان.
3. استعمال وسيلة صناعية تؤدي إلى طرد الجنين قبل موعد الولادة إذا تم بقصد إحداث النتيجة.
4. الإخراج العمدي للجنين من رحم الأم قبل الموعد الطبيعي للولادة باستخدام وسيلة صناعية سواء نزل حيا أم ميتا أو قتله عمدا في داخل الرحم وذلك في غير الحالات المسموح بها قانونا.
لكي نكون بصدد جريمة اعتداء على الجنين بالإجهاض لابد من توافر ثلاثة أركان، وهي:

أولا: محل الجريمة:
لكي نكون بصدد جريمة إجهاض لابد من وجود إمرأة حامل حتى يمكن إنهاء الحمل أو طرده وإخراجه من رحمها. ويقصد بالحمل (الجنين)، وهو يتكون - كما سبق ذكره - من بويضة المرأة الملقحة بالحيوان المنوي للرجل، فهو إذن ثمرة الإخصاب.

ثانيا: الركن المادي:
وهو يتمثل في النشاط الإجرامي الذي يمارسه الفاعل، والنتيجة الإجرامية المترتبة عليه وهي إعدام الجنين بإنهاء حالة الحمل عمدا قبل الأوان، ثم علاقة السببية بينهما.
1- الفعل: ويقصد به كل فعل من شأنه إنهاء الحمل قبل موعد الولادة الطبيعي مثل تناول مشروبات أو مأكولات معينة أو استعمال وسيلة طبية كإجراء جراحة أو تعاطي أدوية أو استخدام آلة لإخراج الجنين أو القضاء عليه أو قيام الحامل برياضة عنيفة كالقفز وحمل الأثقال. كما يعرف أنه كل فعل مفضي لموت الجنين أو إلى خروجه من الرحم قبل الموعد الطبيعي للولادة.
2- النتيجة: وتتمثل النتيجة في موت الجنين أو خروجه من الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته ولو خرج حيا أو قابلا للحياة حيث أن الجنين الذي يخرج من الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته يندر أن يعيش طويلا فعدم اكتمال نموه يجعله غير معد لمواجهة ظروف الحياة في الخارج.
3- العلاقة السببية بين الفعل والنتيجة: من المبادئ المقررة في التشريعات الجنائية الحديثة أن الإنسان لا يسأل عن نتيجة إجرامية إلا إذا كانت ناجمة عن سلوكه أو نشاطه، وبتطبيق هذا المبدأ على جريمة الإجهاض يمكن القول أن ما من إجهاض مجرم يقوم ما لم يتسبب إنهاء الحمل عن نشاط الجاني. 

ثالثاً: الركن المعنوي:
كافة جرائم الإجهاض عمدية ومن ثم يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي فيجب أن يعلم المتهم أن المرأة حامل لحظة الفعل وأن يعلم أن من شأن فعله إحداث الإجهاض ويتعين أن يتوقع وقت فعله حدوث النتيجة الإجرامية، ويجب كذلك أن تتجه إرادة المتهم إلى فعل الإسقاط وإلى قتل الجنين أو إخراجه من الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته حتى يتوفر لديه القصد.
نلاحظ أن الأركان التي سبق التطرق لها هي أركان جريمة الإجهاض في ظل القانون، لذلك يجب التعرض لأركان هذه الجريمة في ظل الشريعة الإسلامية. ويمكن القول بأن جريمة الإجهاض من وجهة نظر فقهاء الشريعة الإسلامية تقوم على ثلاثة أركان وهي:
1. الركن الشرعي: وهو أن يكون هناك نص يحظر الجريمة ويعاقب عليها ويشترط للعقاب على الفعل المحرم أن يكون النص الذي حرمه نافذ المفعول وقت اقتراف الفعل زمانا ومكانا وعلى الشخص الذي اقترفه هذا وأن النصوص الشرعية قاطعة في أنه لاجريمة ولا عقوبة إلا بنص لقوله تعالى: ((وماكنا معذبين حتى نبعث رسولا))، وطبقت هذه القاعدة في جميع جرائم الحدود والقصاص والدية وجرائم التعازير.
2. الركن المادي: ويتمثل في إتيان العمل المكون للجريمة ويقوم الركن المادي على عناصر ثلاثة عي السلوك والنتيجة والعلاقة السبيية، هذا وقد يتم الجاني فعله فتعتبر الجريمة تامة وقد لايتم فعله فتعتبر الجريمة غير تامة وهو ما يسمى بالشروع في الجريمة وفقا للاصطلاح القانوني، كما قد ترتكب الجريمة من شخص واحد أو من جماعة أو بناء على التحريض أو تقديم المساعدة وهو مايسمى بالإشتراك في الجريمة.
3.الركن المعنوي: وهو اتجاه نية الفاعل إلى الفعل أو الترك مع علمه بالتحريم وهو أن يكون الجاني مكلفا، وتقوم بالمسئولية الجنائية على أسس ثلاثة وهي: أن يأتي الإنسان فعلا محرما، أن يكون الفاعل مختارا، أن يكون الفاعل مدركا، ومتى ماوجدت الأسس الثلاثة وجدت المسئولية الجنائية وإذا أنعدم إحداها انعدمت. ومحل المسئولية هوالإنسان الحي المكلف لأنه هو وحده المدرك المختار كما أن المسئولية الجنائية شخصية فلا يسأل عن الجرم إلا فاعله عملا بقوله تعالى: ((ولاتزر وازرة وزر أخرى)) ، أما المجني عليه فهو من وقعت الجريمة على نفسه أو على ماله أو على حق من حقوقه وتعتبر الشريعة الإنسان مجنيا عليه ولو لم ينفصل عن أمه.
هذا عن تعريف جريمة الإجهاض، أما عن عقوبة الإجهاض في القوانين الوضعية فإنها تختلف العقوبة باختلاف نوع الإجهاض ونتطرق أولاً لصور الإجهاض:

أولا: الإجهاض الاختياري:
يتحقق الإجهاض الأختياري إذا كان قد تم برضا الحامل فرضا الحامل لايعد سسبا للأباحة، وتبرير ذلك أن الحق الذي تحميه نصوص الإجهاض ليس للأم حتى يكون لرضائها الأثر المبيح وإنما للجنين ومن ثم ليس لها التصرف بحق غير ذات صفة للتصرف فيه، حتى و إن كان يرافق هذا الحق بعذ المتاعب والآلام، إذ يتعين عليها تحمل المتاعب والآلام بحكم رسالتها الزوجية. ولرضا الحامل صورتين نبينهما في ما يلي:

الصورة الأولى: إجهاض الحامل نفسها:
تتحقق هذه الجريمة إذا أتت الحامل فعل الإسقاط من تلقاء نفسها باستعمال وسائل الإجهاض دون أن يعرض عليها شخص ذلك، وتتحقق كذلك إذا أتت الحامل الفعل أو استعملت الوسائل المؤدية للإجهاض بناء على اقتراح الغير أو عرضه، وتتحقق كذلك الجريمة إذا مكنت الحامل الغير من إتيان فعل الإسقاط على جسمها، وتستوي وسائل الأسقاط في هذه الجريمة.
وعادة ما نجد أغلب التشريعات تنص على عقوبة الحبس في هذه الصورة، والبعض الآخر من التشريعات  تنص على عقوبة الحبس أو الغرامة.

الصورة الثانية: إجهاض المرأة نفسها بواسطة الغير:
وتتحقق هذه الصورة عندما توكل المراة الحامل أمر الإجهاض إلى شخص آخر، ويطلق على الإجهاض الذي يتم في هذه الصورة الإجهاض السلبي، وسبب التسمية عائد إلى اقتصار دورها على أمر شلبي وهو عدم المعارضة في الوسيلة المستعملة عن علم بالقصد منها، ولايهم من يكون مصدر فكرة الإجهاض هي أم هو. ويعتبر كلاهما فاعلا أصليا في الجريمة، فهي فاعلة أصلية عقوبتها الحبس أو الغرامة، أما هو فأيضا فاعل أصلي للجريمة عقوبته الحبس الذي يتراوح بين سنة وثلاث سنوات وذلك باختلاف التشريعات، وإذا كان الفرض أن الإجهاض الاختياري يتم عادة بوسائل لاتتسم بالعنف لأنه من غير المعقول أن تقبل المرأة الإجهاض بضربها إلا أن هذا ليس بشرط فإن ثبت قبولها بالضرب وسيلة للإجهاض عد اختياريا.

ثانيا: الإجهاض الإجباري:
يتحقق الإجهاض الإجباري عندما يتم بدون رضا الحامل وإرادتها بغض النظر عن الوسائل المستعملة لتحقيقه، وانعدام الرضا يتحقق في جميع الحالات التي لا تتجه إرادة الحامل إلى قبول الإجهاض.
وينعدم الرضا إما بالإكراه المادي ويقصد به كل أنواع العنف التي يمكن أن تقع على جسد المرأة الحامل كالضرب ونحوه من أنواع الإيذاء، كما ينعدم أيضا بالإكراه المعنوي ويعني التهديد بشر جسيم يقع على النفس أو المال يحيق بالمرأة الحامل أو بشخص عزيز لديها كتهديدها بالقتل أو قتل شقيقها أو ولدها أو بإفشاء سر تحرص على صيانته أو حرق منزلها أو ترحيلها وإبعادها عن البلاد إذا كانت أجنبية، كما ينعدم الرضاء بالغش والخديعة.
وعقوبة هذه الصورة من الإجهاض السجن، كما أن بعض التشريعات يجعل العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة.
 

ثالثا: الإجهاض المفضي إلى الموت:
بالإضافة إلى الأركان العامة للإجهاض لابد من توافر ما يلي:
• أن يكون الجاني شخصا غير المرأة الحبلى.
• أن تؤدي مباشرة فعل الإجهاض إلى وفاة المرأة الحبلى.
• أن تكون النتيجة التي قصدها الجاني هي مجرد طرد أو إخراج الجنين من رحم المجني عليه قبل إتمام أشهره الرحمية أو قب موعد ولادته الطبيعية.
والعقوبة المقررة في هذه الحالة هي السجن كما أورته بعض التشريعات المختلفة.
وقد حرصت معظم التشريعات على معاقبة فعل الإجهاض واعتباره جريمة جنائية لأنه يشكّل اعتداءً على حق الجنين في الحياة وفي نموه الطبيعي داخل الرحم حتى الولادة الطبيعية، كما يشكّل اعتداء على صلاحية المرأة في الحمل والإنجاب، وكذلك على حق المجتمع في التكاثر ضماناً لاستمراره وازدهاره.
وباستقراء قانون العقوبات البحريني الصادر بالمرسوم بقانون رقم (15) لسنة 1976 نجد أنه جرّم الإجهاض فقد نص في المادة (321) منه على أنه: "تعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بالغرامة التي لا تجاوز خمسين ديناراً من تجهض نفسها بغير مشورة طبيب وبمعرفته"، كذلك نصت المادة (322) منه على أن: "يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات من أجهض امرأة دون رضاها. وتكون العقوبة السجن إذا أفضت مباشرة الإجهاض إلى موت المجني عليها" .
ولم يعتبر المشرع البحريني الرضاء مبرر لإباحة الإجهاض بل نص على ضرورة إبقاء الإجهاض مجرماً، كون الإجهاض تحطيم كائن بشري قد بدأت الحياة تدب فيه فعلاً، فضلاً عن أن الإجهاض يثير مشكلات دقيقة ليس من الناحية الأخلاقية والصحية فحسب، وإنما من الجهة الاجتماعية والقانونية أيضاً، ولا أهمية لنوع الوسيلة التي استخدمتها الحامل في إجهاض نفسها، فقد يأتي سلوكها في صورة استعمال وسائل الإجهاض بمحض ارادتها ودون تدخل من شخص آخر، أو في صورة الرضاء الصادر من المرأة الحامل، أي بأن ترضى أن يستعمل غيرها وسائل الإجهاض عليها.
يتضح مما تقدم أن الشريعة الاسلامية اهتمت بالجنين حيث شرعت من الآداب ما يضمن نشأته نشأه سليمة أثناء مراحل تطوره وبعد خروجه من بطن أمه ما يهيئ لتربيته تربية صالحة ليكون عضوا فعالا ونافعا في المجتمع.
ورغم ان القوانين الوضعية قد تطورت في كثير من المجالات الا أنها لازالت قاصرة في مجال حقوق الجنين والمحافظة عليها ولم تبلغ ما شرعه الدين الحنيف والشريعة الغراء التي تعتبر مصدراً رئيسيا في أكثر تشريعات الدول الإسلامية.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .