العدد 5635
الثلاثاء 19 مارس 2024
banner
صادق أحمد السماهيجي
صادق أحمد السماهيجي
عن الوجود المسيحي في سماهيج
السبت 27 نوفمبر 2021

في الندوة التي أقيمت بنادي سماهيج، في يناير 2020، تحت عنوان "الاكتشافات الأثرية في تلة موقع سماهيج"، والتي جاءت بعد أعمال التنقيب وبعد اللقاء الجماهيري الذي حضره عدد من المهتمين بمقبرة سماهيج التاريخية، بحضور فريق عمل "بريطاني بحريني" برئاسة البروفيسور تيموثي انسول من جامعة إكستير بالمملكة المتحدة.
 
أدار الندوة في تلك الأمسية بصالة نادي سماهيج، الأستاذ علي العرادي صاحب حساب "سماهيج زمان"، وشارك فيها الباحث الآثاري الدكتور سلمان المحاري والباحث التاريخي جعفر يتيم، وحضر فيها عدد من الباحثين والمهتمين من مختلف أطياف المجتمع.

وخلال الندوة، ذكر الباحث الآثاري الدكتور سلمان المحاري، مدير إدارة الآثار والمتاحف بهيئة البحرين للثقافة والآثار، أن العمل على مشروع تنقيب موقع تلة سماهيج بدأ منذ العام 2016 بتعاون جهات رسمية ومؤسسات أهلية وبعض الأفراد، وقد توصل الفريق إلى أول أثر مادي لوجود الديانة المسيحية "النسطورية" الذي يعود تاريخه لما قبل القرن السابع الميلادي.  

اليوم، في نوفمبر 2021، وفي المرحلة الثانية من أعمال التنقيب والتوسع فيها، يتم التأكيد على وجود بيت أسقف مسيحي، والتأكيد على أنه ليس كنيسة، وذلك أسفل مسجد يعرف باسم مسجد الشيخ مالك يعود تاريخه إلى ثلاثمائة سنة، في تلة بوسط المقبرة، حيث تم العثور على العديد من الأدوات، منها ما يستخدم في الطعام والأقمشة وبقايا عظام أسماك وفك خنزير.  

أن يكون هناك أثر لوجود مسيحي في منطقة المحرق، وبالتحديد في سماهيج، هذا يدل على عراقة وأصالة سماهيج من جانب تاريخي، ويدلل على أن أهل المنطقة تميزوا بالتعايش مع الديانات، وتأصيل قيم التسامح، بل وتدل على التحول التاريخي في الديانات من المسيحية إلى الإسلام نظراً لبناء مسجد الشيخ مالك ومساجد أخرى، وأيضاً يوثق هذا الحدث لمملكة البحرين بشكل عام كونه أول أثر مادي للوجود المسيحي.

ولنا الإشارة هنا، إلى أن سماهيج ليست مذكورة فقط في المصادر المحلية، إنما جاء ذكرها أيضاً في المجامع النسطورية، والكنسية، والمصادر المسيحية السريانية، والكنيسة الشرقية، والمصادر الفارسية والأوروبية، ما يدل على وجودها قبل الإسلام حتى الآن، حيث توجد في بعض الخرائط الجغرافية لفترة تعود للعام 1765م.  

وجاءت سماهيج بعدة ألفاظ، بحسب لفظ الفرس والسريان والأوروبيين، ومن معانيها المختلفة ما جاء في معجم البلدان، كأنه جمع سمهج، اللبن إذا خلط بالماء، وقال الأصمعي: ماء سمهج سهل لين، والسمهجة هي الفتل الشديد. "كتاب سماهيج في التاريخ"

وهنا، تتضح الأهمية التاريخية في التنقيب عن الآثار، والتعرف على الأحداث والأماكن ودراستها، للمهتمين، وتعود بالنفع حتى على غير المهتمين، مما يعطي مسحاً شاملاً عن أحداث المنطقة وربطها وتحليلها بالدراسات التاريخية والشفاهية، وبذلك، الخروج بحصيلة من المعلومات التي تفيد في العودة للجذر التاريخي والتراثي بما فيها العادات والتقاليد وكل ما يخص شعب المنطقة.  

وسواء، كان المكان عبارة عن دير أو كنيسة كما جاء في إعلان المرحلة الأولى من التنقيب، أو منزلاً لأحد الأثرياء بناءً على ما تم اعتماده من وجود مطبخ وغرفتين للطعام والضيافة في المرحلة الثانية من التنقيب، فإن النقطة التي لا نختلف عليها، هو وجود آثار مادية للديانة المسيحية مثل "الصليب" من خلال "قطعة حجرية تالفة عليها نقش صليب، وصليب آخر ملون على كسرة وعاء فخاري مزجج"،

 وربما ترجع بعض الأقوال، وترجح، أن المكان يعود لشخص اسمه إبراهيم المسميشي وهو من الكبار الذين قاموا بثورة ضد البطريركية والفرس ووصف بأنه متمرد وخارج عن صف جماعته، ولا زالت هناك امتدات ومساحات أكبر للتنقيب قد تعطي مؤشرات ونتائج جديدة.  

وإن ما يهمنا، أن هذا الوجود تحقق بشكل مادي وملموس لأول مرة في سماهيج، وبعدها جاء على غرار ذلك ما تبين مؤخراً في التنقيب عن جرة كبيرة في المحرق بمجمع 213، وليس في الأمر غرابة، أن تمتد هذه الاكتشافات لمناطق أخرى، من خلال المسميات المعتمدة شفاهياً وبعض الأحاديث المحكية في بقية المناطق المجاورة مثل قلالي والدير، حيث سميت قرية الدير نسبة لوجود دير للمسيحيين قبل دخول الإسلام، وفيها مثلاً فريج "الراهب" ومسجد "الراهب"، وكلها مسميات ذات دلالة مسيحية.  

بادرة مميزة، وجديرة بالتقدير، تلك التي تقوم بها هيئة الثقافة والآثار، باعتماد بعض الأماكن ومنها سماهيج ضمن "القائمة الوطنية للآثار"، وذلك للبحث والتنقيب، كما نأمل تسليط الضوء على مناطق أخرى في البحرين، مثل الدير وغيرها، للحفاظ على هوية وتراث وتاريخ مملكة البحرين.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .