حدث كبير، وعلى مستوى آسيوي، نظمته مملكة البحرين بمشاركة ثلاثين دولة من قارة آسيا، تمثّل في دورة الألعاب البارالمبية الآسيوية للشباب برعاية سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة ممثل جلالة الملك للأعمال الإنسانية وشؤون الشباب،  وبمتابعة حثيثة من سمو الشيخ خالد بن حمد آل خليفة النائب الأول لرئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة رئيس الهيئة العامة للرياضة رئيس اللجنة الأولمبية البحرينية. 

في الحقيقة، لا تجد فرقاً كبيراً يذكر، بين المنافسات العامة للبطولات، وبين منافسات الألعاب البارالمبية التي تقام خصيصاً لفئة ذوي الهمم والعزيمة، بل قد تكون الأخيرة تفوقها جرأة وحماساً، كان ذلك واضحاً من خلال ما شاهدناه وعايشناه في مختلف الألعاب التي توزعت على ملاعب وصالات مملكة البحرين. 

استضافت البحرين ثلاثين دولة بمشاركة واسعة من اللاعبين الذين وصلت أعدادهم أكثر من 750 مشاركاً توزعوا على تسع ألعاب، البوتشيا، كرة السلة على الكراسي، كرة الهدف، ألعاب القوى، الريشة الطائرة، التايكواندو، السباحة، كرة الطاولة ورفع الأثقال. 

إن الروح المعنوية العالية التي يتحلى بها ذوي العزيمة والهمم، هي أهم ما يميزهم بشكل كبير، والقناعة بعدم النقص هو المفتاح الذهبي لدخول عالم المنافسات، فهنا تجد لاعباً برجل واحدة، أو يد واحدة، أو يدين مقطوعتين، وتجده يشارك في مسابقة السباحة، ولاعب آخر كفيف البصر، وآخر لديه إعاقة سمعية، وآخر تسمع صرخته مدوية في أثناء لعب التايكواندو ورفع الأثقال. 

هي مشاهدات، تؤكد بأن أصحاب الهمم دائماً على استعداد لتحدي الصعاب، وقد أصبحت هذه الصعاب بالنسبة لهم مجرد حياة يومية وممارسات اعتيادية، وهي مشاهدات، تدلل على أن ذوي العزيمة هم أشخاص لا ينقصهم شيء، بل يعطون دروساً كبيرة في المثابرة لبقية الأشخاص الذين يعتقدون بأنهم أسوياء جداً وأقوياء جداً، في مقابل أنهم ربما يكونوا أقل منزلة بطريقة تفكيرهم وما تحتويها من إعاقة فكرية قبل أن تكون جسدية. 

فمن المواقف التي يذكرها لي أحد قادة المجموعات من المتطوعين، أنه رأى الإصرار واضحاً في استقلاليتهم واعتمادهم على أنفسهم، وصعوبة أن يسمح لك أحدهم في جر الكراسي المتحركة إلا ما ندر وفي الحالات المستعصية جداً، وموقف آخر، ينقله قائد المجموعة، عندما أخبره أحد المتطوعين بالإحساس ببعض الإرهاق والتعب، أشار له مباشرة لأصحاب الهمم "انظر لهؤلاء"، لحظتها ما كان من المتطوع إلا الانحناء خجلاً لهذه الفئة التي نتعلم منها الكثير.    

أصحاب الهمم، ذوي العزيمة، ذوي الاحتياجات، أصحاب الإعاقة، كلها مسميات ونداءات لا أكثر، لا تعني شيئاً أمام الإصرار الذي تراه بادياً على أفعالهم وأقوالهم وابتساماتهم، كلها لا تعني شيئاً، وأنت تراهم كيف يسيرون بكراسيهم المتحركة بكل ثبات، وكيف يمشون باستقامة نحو أهدافهم بكل عزيمة، فمتى التقت الإرادة مع الإصرار، انتفت كل الصعوبات وكل العراقيل التي تواجههم.  

على مدى أكثر من أسبوع من تنظيم البطولة، في الفترة من 27 نوفمبر حتى 8 ديسمبر 2021م عاشت مملكة البحرين أياماً رياضية بامتياز، بتنظيم من اللجنة البارالمبية البحرينية برئاسة سعادة الشيخ محمد بن دعيج آل خليفة وبحضور السيد ماجد العصيمي رئيس الاتحاد البارالمبي الآسيوي الذي أضفى على الافتتاح والختام جواً من الودية والتعامل الراقي. 

في حفل الختام، وزعت الجوائز والميداليات على مستحقيها، وكان أبرزها لمملكة البحرين، الميدالية الذهبية للاعبة البحرينية زينة البلوشي في دفع الجلة، واستحوذت إيران على النصيب الأكبر من الميداليات، فيما انتقل علم اللجنة الأولمبية البارالمبية لجمهورية أوزبكستان لتكون بذلك هي الدولة المستضيفة للألعاب في عام 2025م. 

وحرصت المنتخبات والوفود المشاركة، على تسطير لوحة راقية من الأخوة والروح الرياضية، وترديد الأهازيج وتبادل الثقافات والتراث، في جو من الصفاء والود بين الدول المشاركة، وذلك في أثناء افتتاح البطولة الذي أقيم في حلبة البحرين الدولية، وختام البطولة الذي أقيم في مدينة خليفة الرياضية.  

لا يغيب عن البال، الدور الكبير الذي قدمه المتطوعون في هذه البطولة، حيث حضروا لتقديم لمساتهم وإبداعاتهم في الإدارة والتصوير وفي مجالات كثيرة، كما كان لكشافة البحرين دوراً بارزاً في التنظيم والتفويج ومراسم التتويج. 

اللافت، أن شهر ديسمبر يصادف فيه يوم التطوع العالمي، ويصادف فيه اليوم الدولي لذوي الهمم 3 ديسمبر، فالمطلوب دائماً توظيف الطاقة وتخطي الإعاقة، حيث لا إعاقة مع الإرادة، وهذا ما تحقق ويتحقق في البطولات الرياضية والبرامج التي تقام لذوي العزيمة.  

إنجاز كبير، يحسب لمملكة البحرين، وللجنة البارالمبية البحرينية التي تشكلت حديثاً في عام 2019، في استضافة مثل هذه الألعاب والبطولات التي تحتضنها البحرين ملاذ الشباب والرياضة، وذلك في ظل جهود رئيس اللجنة، وأمين عام اللجنة علي الماجد وجميع الطاقم، وإلى بطولات قريبة في الحدث القادم المرتقب في فبراير 2022م ، النسخة الثالثة لدورة ألعاب غرب آسيا البارالمبية التي ستستضيفها مملكة البحرين.