العدد 5673
الجمعة 26 أبريل 2024
banner
د. عدنان محمد القاضي
د. عدنان محمد القاضي
صورُ المَواهبِ في عَصر النُّبوة (4-4)
الخميس 28 أبريل 2022

تتمّة للمقالة السابقة، وما تمّ تناوله فيها من صورٍ لمواهب متميِّزة العطاء ومتنوِّعة المجال، إذ نعرض لغيرها وقوفًا على شخصيّات أصحابها ومدى أثرهم على المساحة التي استثمروا فيها قدراتهم الفذَّة خدمة لدينها.
لقد اكتشف النبي ﷺ موهبة بلال بن رباح رضيَ الله عنهُ في الأذان، حيثُ كان يمتلك صوتًا نديًّا مؤثِّرًا استطاع من خلاله أنْ يجمع الصحابة رضوان الله عليهم للصلاة. وكان عبدًا رقيقًا، يرعَى إبْل سيِّده على حفنات من التَّمر ومع ذلك كان صوتُه نديّ شجيّ مَهيب.
• الموهبة لا تعرف جِنسًا أو لونًا أو عرقًا أو ثقافة ما، فكلّ من يملكها بعد مراحل الكشف والتعرُّف فهو أحق منَ الاستفادة من البرامج التي تطوِّرها، ومنْ ثمَّ ترجمتها في الميدان كأداء وسلوك مبدع منتِج غير مسبوق. هكذا بلال بن رباح رضى الله عنه انتقاه النبي ﷺ وشرَّفه بهذه المكانة ليكون مؤِّذنًا للصلاةِ بالمسجد النبوي الشريف.  
يروي أبو محذورة الجُمحي: لما خرج رسول الله ﷺ من حنين خرجتُ عاشر عشرة من أهل مكّة نطلبهم فسمعناهم يؤذنون بالصلاة، فقمنا نؤذن نستهزئ بهم، فقال رسول الله ﷺ: "قد سمعتُ في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت". فأرسل إلينا وأذنّا رجل رجل وكنت آخرهم، فقال حين أذنت: "تعال" فأجلسني بين يديه فمسح على ناصيتي وبرك عليّ ثلاث مرّات، ثم قال: "اذهب فأذن عند البيت الحرام". قلت كيف يا رسول الله؟ فعلّمني كما يؤذنون بها.
• استفاد النبي ﷺ من هذا الموقف واختار من بين العدد المُتاح أحسنهم صوْتًا ليكون مؤذِّنًا في المسجد الحرام بمكّة المكرَّمة، وهذا هو دَيدن المُعلم الحصيف أنْ يقتنص الفرص والظروف للوقوف من يُمكِنُه أنْ يُسهم في تحقيق مقاصد الإسلام وأهدافه بما يملِكُه من قدرات وملكات واستعدادات إبداعية تفوق أقرانه.   
كان مُعاذ بن جبل رضي الله عنه عالمًا بالحلال والحرام، حيث أنَّ الرسول ﷺ وصفه بذلك، وقال فيه: "أعلم أمتي بالحلال والحرام مُعاذ بن جبل"، وكان فقيهًا في الدين، وكان لديه بَحر واسع من العلْم والحكمة، وكان يُعرف برجاحة عقله". وقد ورد أيضّا: "... بعد أنْ سمعتُ النبي ﷺ يقول: مُعاذ بن جبل إمام العلماء يوم القيامة".
• قال أنس بن مالك رضى الله عنه: جُمِعَ القرآن على عهد رسول الله ﷺ أربعة كُلّهم من الأنصار: أُبيّ بن كعب وزيد ومُعاذ بن جبل أبو زيد أحد عمومتي. وروى عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبي ﷺ قوله: "خذوا القرآن من أربعة: ابن مسعود وأُبيّ ومُعاذ بن جبل وسالم مولى أُبيّ حذيفة". وقال سهل بن أَبي حثمة: كان الذين يَفتون على عهد رسول الله ﷺ ثلاثة من المهاجرين: عمر وعثمان وعلي، وثلاثة من الأنصار: أُبيّ بن كعب ومُعاذ وزيد.
كان أُبيّ بن كعب من أفضل الصحابة قراءة للقرآن الكريم، وشهد له الرسول ﷺ بأنه أقرأ الصحابة لكتاب الله، فقد كان رضي الله عنه يقوم بختم القرآن كل ثمانية أيام، كما أنه كان يُحسن كتابته، وهو أحد كتّاب الوحي. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يروي عن أُبيّ بن كعب، ويسأله عن النوازل، ويتحاكَم إليه في المُعضلات.
• كان أُبيّ رضي الله عنه مِمَنْ يُحسنون الكِتابة من العَرب في الجاهليّة قبل الإسلام، وكانوا من المَعدودين، لذلك اختاره النبي ﷺ ليكونَ كاتبه الأول من الأنصار. وقال النبي ﷺ لأُبيّ بن كعب يومًا: " إنَّ الله أمرني أنْ أقرأ عليك القرآن"، قال: الله سمّاني لك؟، قال: "نعم"، قال: وذُكِرت عند ربِّ العالمين؟، قال: "نعم"، فذرفت عيناه.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية