العدد 5635
الثلاثاء 19 مارس 2024
banner
حسين كاظم
حسين كاظم
أحكام دعوى التعويض في القانون البحريني
الأحد 26 يونيو 2022

لدعوى التعويض خصوصية تميزها عن غيرها من الدعاوى وخاصة دعوى الإلغاء ( التي تختصم القرار الإداري وتطالب بإلغائه لعدم مشروعيته)، ولأهمية معرفة خصائص دعوى التعويض فإننا سنتناولها على النحو الآتي:

 

أولاً: من حيث موضوع الدعوى
إذا كانت دعوى الإلغاء تخاصم القرار الإداري غير المشروع ولا تخاصم جهة اصدار القرار (الإدارة) بصورة شخصية، فيكفي لرفعها وجود مصلحة شخصية ومباشرة لرافع الدعوى بغض النظر عن وجود حق شخصي، فيكفي ان يستند الطاعن فيها لمخالفة الإدارة لقاعدة قانونية قائمة عند اصدار القرار سواء كانت هذه القاعدة دستورية، قانونية، لائحية، وحتى تنظيمية( )، فان دعوى التعويض تختصم الإدارة وتستند إلى حق شخصي للطاعن أو التهديد بالاعتداء عليه.
وبالتالي فإنه يترتب على اختلاف طبيعة الدعويين اشتراط وجود مبرر لرفع دعوى الغاء القرار المطعون فيه وهو المصلحة الشخصية المباشرة لرافع الدعوى، في حين لا يكفي شرط المصلحة المباشرة لقبول دعوى التعويض، بل لابد من حق يعود للطاعن إثر تصرف الإدارة يطالب بالتعويض بشأنه( )، بمعنى ان دعوى الإلغاء لا يشترط لرفعها تضرر صاحب المصلحة فيكفي ان له مصلحة في الغاء القرار سواء كانت مصلحة حالة أو مستقبلية، بينما يشترط فيمن يرفع دعوى التعويض ان يكون قد أصابه ضرر من عمل الإدارة سواء كان مادياً ام ادبياً.

 

ثانياً: من حيث المواعيد والإجراءات
ليس لدعوى التعويض موعد محدد لرفعها، فلا تسقط إلا بمرور مدد تقادم الحقوق المنصوص عليها في القانون، أما دعوى الإلغاء فتحدد النصوص القانونية مواعيد رفعها حرصاً على استقرار المراكز القانونية، وتسقط بمرور تلك المدة مما ينتج عنه تحصن القرار الإداري من الطعن مستقبلاً.
وتنص اغلب قوانين الدول على اعتماد مدة ستين يوماً أو شهرين لرفع دعوى الإلغاء تحتسب من تاريخ ابلاغ صاحب المصلحة بالقرار أو تيقن علمه به، أما المشرع البحريني فإنه لم يتناول هذه المدة بالتحديد وإنما جرى العرف القضائي على اعتماد مدة ستين يوما لرفع دعاوى الإلغاء امام الدائرة الثالثة في المحكمة الكبرى المدنية.

ولا يشترط لرفع دعاوى التعويض ان يكون قد سبق التظلم من نشاط الإدارة الذي سبب ضرراً ابتداءً، فهذا الشرط لا وجود له في دعاوى التعويض كما هو الحال في دعاوى الإلغاء التي تستوجب التظلم الإداري اولاً قبل رفع الدعوى امام القضاء، مع اختلاف التشريعات في جعل هذا التظلم وجوبي أو جوازي.

وإذا كان الأصل هو التظلم الجوازي وليس الوجوبي، وهو ما نصت عليه المادة (٧) من قانون السلطة القضائية البحريني رقم (٤٢) لسنة ٢٠٠٢م، حيث لم تشترط هذه المادة التظلم الوجوبي من القرارات الإدارية التي تختص بنظرها الدائرة الإدارية، إلا ان المشرع البحريني قد خرج على هذه القاعدة ونص على التظلم الوجوبي في بعض القرارات التي رأى أهمية التظلم المسبق منها امام جهة الإدارة قبل التوجه إلى القضاء، مقيداً بذلك النص العام بنصوص خاصة متفرقة في بعض القوانين، ومن ذلك:

١) التظلم من القرارات التي تصدرها البلدية بشأن تنظيم المباني 
فقد نصت المادة (٢٢) من قانون تنظيم المباني رقم (١٣) الصادر سنة ١٩٧٧م على انه " تشكل بقرار من رئيس الهيئة البلدية لجنة للتظلمات من القرارات التي تصدرها البلدية في شأن تنظيم المباني ويكون مقرها البلدية، ويستدعى امام اللجنة مندوب البلدية كما يدعى صاحب التظلم لإبداء وجهة نظره امام اللجنة، ويجوز الطعن في قرارات اللجنة امام المحكمة الكبرى خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدورها، وذلك بدعوى ترفع بالطرق المعتادة"
حيث يفيد هذا النص بعدم إمكانية رفع الدعاوى المتعلقة بقرارات تنظيم المباني إلى القضاء مباشرة، وإنما يتم تقديم تظلم وجوبي إلى لجنة التظلمات اولاً، ويكون الرجوع إلى المحكمة عن طريق رفع دعوى ليس ضد قرارات الإدارة وإنما ضد قرارات لجنة التظلمات.

وقد ايدت محكمة التمييز حكم الدائرة الإدارية الذي قضى بعدم جواز اللجوء إلى المحكمة المختصة مباشرةً طعناً في القرارات التي تصدرها البلدية بشأن تنظيم المباني استناداً لنص المادة سالفة الذكر( ).

٢) التظلم من القرارات المتعلقة بتأسيس الجمعيات التعاونية:
  حيث نصت الفقرة الأولى من المادة (١١) من قانون الجمعيات التعاونية، الصادر سنة ٢٠٠٠م، على ان " لكل من رُفض تظلمه من عدم تسجيل الجمعية ان يطعن امام المحكمة الكبرى المدنية في قرار رفض التظلم خلال ثلاثين يوماً من تاريخ علمه به، أو من تاريخ انقضاء ثلاثين يوماً على تقديم تظلمه دون ان تجيب عنه الجهة الإدارية المختصة".
وهو نص صريح يؤكد ان التظلم من قرارات الجهة الإدارية المختصة بتسجيل الجمعيات التعاونية وجوبياً قبل مباشرة رفع الدعوى امام المحكمة المختصة.

 

ثالثاً: من حيث سلطة القاضي
  يتمتع القضاء الكامل بسلطة واسعة لا تقف عند حدود الغاء القرار الإداري المعيب، بل تتعدى ذلك إلى الغاء بعض التصرفات القانونية التي لا يصدق عليها وصف القرار الإداري، ومن ذلك الغاء الانتخابات المحلية أو العقود الإدارية، وتعديل القرارات الإدارية في حالات معينة قرار تخفيض مبلغ ربط الضريبة، فضلاً عن الحكم بالتعويض عن الأضرار الناشئة عن اعمال الإدارة. لكن هذا التوسع لا يشمل اصدار أوامر للإدارة للقيام بعمل معين لما في ذلك من تدخل يتنافى مع مبدأ الفصل بين السلطات.

ومن شأن هذه السلطة الواسعة الممنوحة لقضاء التعويض (القضاء الكامل) ان يمكّنه من فحص النزاع المعروض عليه من جميع جوانبه، وإصدار الحكم الصحيح بشأنه، وفي حال تقرير مسؤولية الإدارة حكم بالتعويض عن الاضرار.

وهذا على خلاف قضاء الإلغاء الذي يقتصر دوره على بحث مشروعية القرار المطعون فيه من عدمه، وفي حال ثبت لديه عدم المشروعية حكم بإلغاء القرار.

 

رابعاً: من حيث حجية الحكم
تحوز الأحكام الصادرة في دعاوى التعويض حجية نسبية تقتصر على اطراف الدعوى ولا تتعداهم إلى الغير حتى لو كان صاحب مصلحة، وهذا على خلاف الحكم في دعاوى الإلغاء التي تتمتع بحجية مطلقة تجاه الكافة ( حجية الأمر المقضي به)، فيستفيد من تلك الأحكام كل من له مصلحة ولو لم يكن طرفاً في الدعوى، ويمكن التمسك بحجية تلك الأحكام في أي منازعة تثار بشأن مشروعية القرار الملغي، وهذا نظراً لما تتميز به دعوى الإلغاء من خصوصية كونها – كما سبقت الإشارة – تختصم القرار الإداري نفسه وليس جهة الإدارة مصدرة القرار لأسباب تتعلق بالمشروعية حتى لو لم يكن هناك حق شخصي مادام توافرت المصلحة، بينما تخاصم دعاوى التعويض جهة الإدارة لوجود حق شخصي، فالأولى دعاوى عينية موضوعية، بينما الأخيرة دعاوى شخصية.

وإذا كانت قوانين بعض الدول - ومنها القانون المغربي- تفرق بين الدعويين (الإلغاء والتعويض) من زاوية أخرى، بأن دعوى الإلغاء مجانية فتعفى من الرسوم القضائية، انطلاقاً من ان رافعها يهدف إلى اعدام قرار اداري غير مشروع دون ان يترتب على ذلك أي تعويض لصالحه، فهو بهذه الدعوى يساهم في تصحيح أوضاع غير قانونية واعلاء المشروعية التي هي من النظام العام، لذلك يتوجب على المشرع القانوني تقديم كافة التسهيلات امام رافع الدعوى.
اما دعوى التعويض فإنها غير مجانية لأن رافعها يتوخى الحصول على تعويض عن الضرر الذي أصابه نتيجة عمل الإدارة، وبالتالي فهو يدافع عن حق شخصي، لذلك فان منطق التسهيلات الذي اعتمده المشرع في دعوى الإلغاء يغيب في دعوى التعويض.

غير ان المشرع البحريني – وان لم يختلف كثيراً عن هذه الرؤية – اعتمد رسوم رمزية بسيطة في دعوى الإلغاء لنفس المبرر المذكور آنفاً مع إمكانية طلب الاعفاء من هذه الرسوم في حال عدم القدرة على دفعها، بينما في دعوى التعويض اشترط المشرع لرفعها دفع نسبة محددة من المبلغ المطالب به كتعويض. 

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية