العدد 5673
الجمعة 26 أبريل 2024
banner
د. عدنان محمد القاضي
د. عدنان محمد القاضي
الصِّناعاتُ الإبداعيّةُ مسَاحةٌ لاستثمارِ المَواهبِ الوطنيّة (1-7)
الخميس 28 يوليو 2022

نحن بحاجةٍ إلى إيلاءِ الصناعات الإبداعية رعاية أكبَر من ذي قَبل في مجتمعنا؛ إذ هي ثقافة وهويّة وتاريخ واقتصاد وإبداع وابتكار وتوجيه لطاقات وطنية وتخفيف العبء الوظيفي على القِطاع الحكومي. وفي هذه الأجزاء السبعة أحاول تسليط الضوء على أبرز الجوانب والقضايا الثقافية والاقتصادية والاجتماعية ذات العلاقة بالصناعات الإبداعية.

فقد ارتبط ظهورُ المصطلحِ بحكومة "توبي بلير" ببريطانيا في أواخر التسعينات من القرن العشرين، ثمَّ بدأ ينتشِر في أوروبا، آسيا، أمريكا اللاتينية، منطقة البحر الكاريبي، أستراليا، نيوزلندا، ومؤخرًا في أفريقيا، لكنَّهُ اكتسب زخمًا كبيرًا من خلال دراسة الاستشاري البريطاني "تشارلز لاندري" عن المدينةِ المُبدعة، ثمَّ اكتسبَ بريقًا أكبر مع ظهورِ أعمال رائد الدراسات الحَضرية "ريتشارد فلوريدا" عن الطّبقةِ المُبدعة.
وتعدّ الصناعات الإبداعية محرِّكًا للصناعات الأخرى عبر تزويدها برأس مال بشري متوفر من العاملين المبدعين والشباب الموهوبين المنتشرين في كافة القطاعات ومراحل التعليم العام والجامعي، كما أنّها تعمل كمضخة للابتكارات والتجديدات التكنولوجية، وتنتج سِلعًا وخدمات تعتمد كليًا على الإبداع والابتكار مما يُساهم في التجديد الاجتماعي ككلّ.
ومن ناحية أخرى تُساعد الصناعات الإبداعية في توفيرِ فرص العمل المختلفة، ودُخولٍ عالية مُجزية، وتحقيق تماسُكٍ واندماجٍ اجتماعيٍّ، وتحافظ على الهوية الثقافية، وترفع من جودة الحياة، وتعمِّق المُواطنة والمُشاركة عبر التَّشارُك في القطاعات الإبداعية المختلفة.
كما وتعطي الصناعات الإبداعية ميزة تنافسية للمُدن التي تتركَّز بها، وتُساهِم في زيادة التَّماسُك والاندماج الاجتماعي لمواطنيها وللمجتمع ككُل، وذلك عبر التركيز على الإبداع الفردي والجماعي، والنواحي الثقافية، والجمالية، والاختلاف والتنوُّع الثقافي.
ولا يُمكنُ أنْ نغلفَل دور الصناعات الإبداعية في استثمار الطاقات الشبابية المبدعة وتحفيزِ الواعدين من أصحاب المواهب الناشئة المُستشرفينَ لمستقبلٍ واعدٍ في مجتمعهم.

التَّطوُّر التاريخي لمفهوم الصِّناعات الإبداعيّة
ظهر مصطلحُ الصناعات الإبداعية في أستراليا عام 1994، عندما أصدرت الحكومة تقرير "الأمة الإبداعية" حيث تمّ التأكيد على أنَّها مجموعة أكبر منَ المواد الإنتاجية التي تُظهِرها الصناعات الإبداعية بتضمين السِّلع والخِدمات التي تعمل وفق مفاهيم الإبداع وأدواته.
واكتسب هذا المصطلح زخمًا كبيرًا للمرَّةِ الأولى في إطار العمل المهم الذي أنجزه الخبير البريطاني "تشارلز لاندري" بشأن "المدينة المُبدعة"، ثمَّ اكتسب قوة ذات تأثير أكبر على المستوى الدولي في إطار الدراسة التي أجراها "ريتشارد فلوريدا" عن "الطبقة المُبدعة" التي ينبغي أنْ تجذبها المُدن من أجلِ أنْ تكفَل النجاح لجهودها الإنمائية والمتَّصلة برؤاها الاقتصادية.
في عام 1998 أصدرت وزارة الثقافة البريطانية وثيقة "خرائط الصناعات الإبداعية" التي ربطت بين تلك الصناعات التي يكون مصدرها الإبداعي الشخصي، والمهارات، وبين قدرتها على حفز الثروة وحماية الملكية الفكرية.
ثمَّ أخذ المصطلح في التوسُّع عندما استخدمه الكاتب "جون هوكنز" عام 2001، عبر وضع معايير تصنيف الاقتصاد الإبداعي الذي تضمَّن خمسَ عشرةَ صِناعة، أضاف إليها فيما بعد قِطاع الألعاب الإلكترونية. وقد تفاعلتْ معُه المملكة المتحدة التي بدأت في التعبير عنْ مفهوم الصناعات الإبداعية في عام 1997م، واستُبْدِل مفهومها بالصناعات الثقافية، حيثُ ربطت المملكة المتحدة هذا المفهوم بتطوُّر مجتمع المعلومات المرتبط بالابتكار والإبداع.
وقد أخذ المصطلح بُعدهُ العالمي باستخدمه بوساطة المنظَّمات الدولية، وذلك عندما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها (55/2)، والذي يؤكِّد أهمية الثقافة والتنمية وفي العاميين 2008 و2010 صدرت طبعتانِ مِنْ تقرير الاقتصاد الإبداعي في العالم والمنجز بواسطة وكالات الأمم المتحدة المتخصصة، ومنها: اليونسكو؛ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي؛ المنظمة العالمية للملكية الفكرية؛ ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية. وقد بيَّن التقريرانِ بأنَّ الاقتصاد الإبداعي يعتبر من القطاعات سريعة النمو في الاقتصاد العالمي، ويتميّز كذلك بقدرته العالية في إحداث التحولات وتوليد الدخل وخلق الفرص وزيادة عائدات التصدير. 
وسوف يتمّ في المقالة القادمة تناول أهم تعريفات الصناعات الإبداعية ومفاهيمها المُحددة لعناصرها المكوِّنة لها

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .