العدد 5667
السبت 20 أبريل 2024
banner
د. عدنان محمد القاضي
د. عدنان محمد القاضي
الصِّناعاتُ الإبداعيّةُ مسَاحةٌ لاستثمارِ المَواهبِ الوطنيّة (6-7)
الخميس 01 سبتمبر 2022

تتمّة لما تمّ تناوله في المقالة السابقة من التطرُّق إلى متطلّبات تعزيز الصناعات الإبداعية ومقوّماتها وعوامل نَجاحها، وفيما يلي موضوعات جديدة مرتبطة بالتعليم والصناعات الإبداعية، ودورها في تعزيز السلوك الجمالي المستدام، والأبعاد والدوافع التي تحتّم الاتجاه نحوها.
الصِّناعات الإبداعيّة والتَّعليم
في ظلّ تلك الحاجة إلى التنمية المستدامة والأفكار الإبداعية عبر المشروعات والحِرف التقليدية، لابدّ من بناء ثقافة مجتمعية جديدة، وهذا هو التوجُّه والهدف العام لتعليم الحِرف والتكنولوجيا الفنلندية بالتخلُّص من الشكل التقليدي الذي يقتصرُ على إعادة إنتاج المصنوعات اليدوية وفقًا لنماذج معيّنة، والذي يعتبرُ مناسب إلى حدٍّ ما لتعليم المهارات الأساسية فقط، لذا يجبُ أنْ يكونَ هناكَ مجالٌ لتعلُّم مهارات الحلّ الإبداعي للمشكلات؛ والقدرة على اتّخاذ القرارات، مما يسمح لهم بتقييم أفكارهم ونمو مهاراتهم الإبداعية، وتطوير المعرفة.
إنَّ إكساب المتعلمين خبرات تعمل على تنمية قدراتهم على العمل الجماعي والتعاوني والإبداع والابتكار (مهارات القرن 21)، واكسابهم القيم والعادات والاتّجاهات المرغوبة نحو الفرد والمجتمع مطلب أساس وغاية بحدِّ ذاتها.
وعلينا تغيير وتطوير استراتيجيّات (وأساليب) التعليم، بتجاوز الأنشطة الروتينية والتفكير منخفض المستوى، ليُصبح التَّعلم القائم على المعرفةِ والإبداع وحلّ المشكلات وليس على الحِفظ والتلقين في مراحل التعليم المختلفة، وثمّة حاجة للتعلُّم الذاتي والمُستمر المُعتمد وغير المُعتمد، وهذا يجعلُ المتعلمين منَ الطبقة الإبداعية الجديدة أكثر وعيًا وإدراكًا وقدرة على الأداء الجيِّد، فيجبُ أنْ تكون الأهداف الجديدة للتعليم ليس فقط تطوير الكفايات الأساسية (القراءة، الكتابة، والحِساب)، بل يجبُ أنْ يكون التعليم عملية إبداعية مرتبطة بحاجات المجتمع وأهدافه المستقبلية وهويَّته الوطنية ذات البُعد التاريخي العميق.
دور الصِّناعات الإبداعيّة في تعزيز السلوك الجمالي المُستدام
فيما يلي عددٌ من جوانب السلوك الجمالي المُستدام المُتَعزَّزَة منَ الصناعات الإبداعية:
• الاستمتاع البَصري.
• الرِّضا والسعادة المستدامة.
• رقي الحس والشعور الإنساني.
• استدامة تجميل المنافع الحياتية.
• تربية الذات المتلقية للتربية الجمالية.
• تعزيز الأفكار والخيال والمشاعر النافعة.
• سهولة الاستجابة الشكلية والجمالية والدلالية.
• الارتقاء بالقيم الجمالية والذوق والعاطفة الوجدانية.
الأبعاد والدَّوافع التي تحتّم الاتِّجاه نحو الصِّناعات الإبداعيّة
هناك العديد منَ الأبعاد والدوافع التي فرضتْ وتفرض للتوجُّه نحو الصناعة الإبداعية والاهتمام بها، وهي تمثّل أبعادًا تؤدي للاهتمامِ بالإبداع، وفيما يلي استعراضها بإيجاز:
1. البُعد الاقتصادي: تقاس أهمية قِطاع معيّن بالمساهمة في التنمية الاقتصادية بحجم الزيادات الحقيقية في الناتج المحلي الإجمالي منْ سِلع وخِدمات ذات صلة مباشرة بحياة الناس، وفي القدرة على توليد فرص عمل جديدة تُسهمُ في تحقيق الرخاء الاقتصادي. 
2. البُعد التكنولوجي: هناك نقلة نوعية تمّت بينَ الانترنت وأجهزة الاتصالات الذكية، ويتمّ النقل لهذه المحتويات عبر شبكات نقل ذات السِّعات العالية مِما يتطلّب مُحتوىً رقميًّا جديدًا.
3. البُعد التربوي: الصناعة الإبداعية والاهتمام به عنصر أساسي لعملية التربية والتعليم في ظل اقتصاد المعرفة ومجتمع المعلومات، ولا يُمكنُ إغفال دور المدرسة في اكتشاف ذوي الموهبة، وطرح كلّ ماله علاقة بالهويّة والثقافة الوطنية.
4. البُعد السياسي: ظهرت ملامح خريطة سياسية عالمية جديدة على أساس المصالح المعلوماتية الجيومعلوماتية، إذ يتّجه العالم في ظل العولمة ومجتمع المعلومات العالمي لتكوين تكتلات سياسية ذات أبعاد معلوماتية وتكنولوجية، وتعتبر الصناعة الإبداعية عنصرًا أساسيًّا فيها. وهي تنطلق في ذلك من بُعد الإبداع الذي يرتكزُ على وحدة اللغة والثقافة والمصالح الاقتصادية المشتركة، ومنْ ثمَّ يتّجه الإبداع ليكونَ محورًا مهمًا في بنية الخريطة السياسية العالمية.  
5. البُعد الاجتماعي: تساهم الصناعات الإبداعية في تحقيق التوازُن الجغرافي لعملية التنمية. فضلًا عن تعزيز رأس المال الاجتماعي؛ حماية حقوق الإنسان؛ تشجيع الحوار بين الثقافات؛ والاعتراف بالهوية الثقافية في ظل عولمة وصراع الثقافات التي تتجه نحو التأثير السلبي على بعض المجتمعات وإفقادها هويتها.
6. البُعد الثقافي: يعكس الموروث الثقافي التاريخي للمجتمع، والذي يعتبر وليد البيئة التي نشأ فيها، وانعكاسًا للواقع إذ يرتبطُ بالسماتِ النوعية لحياة الشعوب ونِظامها وتقاليدها وشخصيات أفرادها.  
7. البُعد الحضاري: إذ أنَّ المنتج يتضمَّن مختلف أنماط الإبداع التلقائي للشعوب والجماعات سواء أكانت في الأوساط الاجتماعية بما تحويه من معتقدات، عادات، وتقاليد أو ممارسة جماعية، وما يصحب ذلك من محسوسات معنوية أو ملموسات مادية تجمع بينَ البساطة والتلقائية اللتيْن تميّزان شعبًا معيّنًا. 
8. البُعد البيئي: تبرزُ اليومَ الحاجة أكثر مما سبق بهذا البُعدِ نتيجة استفحال تراكم الملوّثات إلى صناعات نستطيع أنْ نطلق عليها صديقة للبيئة التي تستطيع التعايش سلميًّا مع البيئة والمتمثلة بالصناعات الإبداعية، والتي تمتاز فضلًا عن استعمالها خامات سليمة من البيئة بقلة فضلاتها، فضلًا عنْ أنَّ الارتباط المهم بينَ الثقافة والبيئة في سياق التنمية المستدامة والموارد الطبيعية.
وسوف يتمّ في المقالة القادمة تناول بعض التوصيات العملية والتوجيهات التطبيقية والأفكار القابلة للترجمة على أرضِ الواقع التي من شأنها تطوير الصناعات الإبداعية في المجتمع.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية