العدد 5673
الجمعة 26 أبريل 2024
banner
د. عدنان محمد القاضي
د. عدنان محمد القاضي
الموهوبون في مرحلة ما قبل التعليم الأساسي
الخميس 27 أكتوبر 2022

الاهتمام بالأطفال هو اهتمام بالمستقبل، حيث أصبحت العناية بهم من العلامات البارزة لرقي الشعوب والأمم ومظهرًا من مظاهر تقدمها وتطورها، فالطفل تتشكل شخصيته في السنوات المبكرة من عمره. لذا كان الاهتمام بهذه السنوات واجبًا وطنيًا، لا يقلّ اهتماماً عن المراحل التعليمية اللاحقة.
إنَّ الموهبة سلوك كما هي قدرات تبرز على هيئة نتاجات مُبدعة تضيف للمجتمع علماً وحضارة، وتحقّق الرضا الداخلي للموهوب ذاته، وبإمكاننا الوقوف على دلائل الموهبة وعلامتها منْ عدة جوانب) الجسمية؛ العقلية والذهنية؛ النفسية والانفعالية؛ الحدسية؛ التعليمية؛ الإبداعية؛ القيادية؛ وغيرها (تدلل في مجملها على وجود امكانات وطاقات تحتاج إلى عناية ورعاية من قبل الوالديْن بعد تلمسها بشكل مباشر منْ خلال المواقف والظروف التي يوجد فيها الموهوب، وتلحضها معلمة الصف في الروضة عندما تُقارن بين جميع أداءات وسلوكات الأطفال جميعهم.
لذا، تعدُّ مرحلة رياض الأطفال مرحلةٌ أساسية يَكتسبُ من خلالها الأطفال العديد من الخصائص النفسية والاجتماعية والتربوية التي تُساعدُهُ على النمو، حيثُ تغرس بحكمة بذور وملامح الشخصية؛ تبعاً لما توفِّره البيئة المحيطة بعناصرها التربوية والصحية ومثيراتها الممتعة والمشوِّقة، ولما هو موجودٌ عنْ طريق الوراثة منْ قدرات واستعدادات.
وينطلق مفهوم التدخُّل وإجراءات الكشف ورعاية الموهوبين من اعتبارات أساسية مؤدّاها ما يلي:
• إذا تمّ اكتشاف الحالة المعنية بالدراسة في مجال ما مُبكِّراً فإنّه بالإمكان التعامل معها بغرض تطويرها وتحسينها.
• يُعدِّل في فهم سلوك الأطفال بصورة أفضل، وبالتالي يُساعد على خلق بيئة تسمح للأطفال بالنمو الصحيح.
• قد يكون أكثر فاعلية من التدخُّل المُتأخِّر، حيثُ أنَّ الطفل في هذه السنّ المبكرة يكون أكثر مرونة في التعامل مع المثيرات البيئية.
• كُلَّما كان تشخيص الحالة مُبكِّراً، كُلَّما كانت فائدة النمو أكثر، ونسبة المشكلات اللاحقة أقل.
• التدخُّل المُبكِّر ميزة اقتصادية كبيرة، حيثُ يعتبر موفراً للنفقات.  
لا ننسَى بأنَّ مرحلة رياض الأطفال من أهم مراحل عمر الانسان، فالموهبة إذا لم يتمّ الكشف عنها مبكراً وتوجيهها ورعايتها وتتبع نموها وتقدمها فأنّها سوف تخمد في مهدها، وتضعف وبالتالي يفقد المجتمع أغلى ثرواته.
وأوضح مجدي (2000) بأنَّه خلال السنوات الأولى يكون مُخّ الطفل بلايين الروابط تنشئ أنماط للعلاقات وللحواس وللأنشطة العاطفية والاجتماعية والبدنية. 
ولقد تمّ التركيز على أهمية مرحلة رياض الأطفال في اكتشاف ورعاية الموهوبين فيها من خلال الأهداف العامة التي أكَّدت عليها الاستراتيجية العربية للموهبة والإبداع (2008)، إذ ذكرت في الهدف السادس منها على: "تَوَطُّدُ برامج متقدمة عالية النوعية، ابتداءً من الطفولة المُبكِّرة حتى سنّ الرُّشْدِ؛ لرعاية الأشخاص الموهوبين على امتداد مراحل العُمر مع تراكمية وتكاملية هذه البرامجِ في منظومةِ التعليم العام العربي". الأمر الذي يزيدنا مسؤولية لترجمة هذا الاهتمام إلى إجراءات عملية وبرامج تنفيذية.
وتشير دراسات عددٌ من الدراسات المختَّصة برعاية الأطفال الموهوبين إلى العديد من النتائج، أهمها: 
1. إن أغلب الموهوبين يتم الكشف والتعرف إليهم بعد دخولهم المدرسة مما يضيع فرصة التدخل المبكر في تنمية مهاراتهم. 
2. إن برامج ما قبل المدرسة ما يزال يغلب عليها النمط التقليدي الذي نادرًا ما ينتج إبداعًا. 
3. قصور المناهج والمعلمين والعملية التعليمية على فهم طبيعة الطفل الموهوب وتحديد حاجاته تمهيدًا لإشباعها وتعهدها بالرعاية اللازمة.
4. عدم توافر المعلمين المدربين للعمل في مجال الإبداع والمواهب الخاصة.
5. للمعلم دور كبير في تنمية التفكير الإبداعي لدى الطفل الموهوب عن طريق الاهتمام بالأسئلة غير العادية وتشجيعها؛ واحترام الأفكار غير التقليدية؛ وإعطاء الفرص للأطفال في التعلُّم الذاتي.
6. تزداد قدرة الموهوبين على التفكير الإبداعي حينَ تتعدَّد طرائق الاثراء بتقديم أنشطة استكشافية؛ واستخدام الأساليب التي تنمّي قدرات التفكير الإبداعي كالأنشطة مفتوحة النهايات والعصف الذهني.
7. يكون الأطفال في مرحلة الطفولة المُبكِّرة في ذروة الإبداع، ويتعلَّمون عن طريق التجربة والاكتشاف، كما يتعلَّمون ويكتسبون المعارف بصورة أكثر فاعلية.
8. تنوُّع أساليب العمل مع الموهوبين في مرحلة الطفولة المُبكِّرة تدفعهم إلى إثارة الأفكار المُبدعة في موقف التفاعُل الاجتماعي.  
فيما يلي بعض الإرشادات المهمّة التي ينبغي تفهُّمها والعمل على مراعاتها في كلّ رياض الأطفال المنتشرة في جنبات المجتمع، وقد تكون إطاراً عاماً يُتحرَّكُ منْ خلاله لتقديم خدمات الرعاية الجيِّدة لجميع الأطفال عموماً والأطفال الذين يعطون مؤشراً على الموهبة خصوصاً وتفريع هذه الارشادات على النحو:
أولاً: فيما يخصُّ أولياء أمور الأطفال
لا يُمكن إغفال دور وليِّ الأمر في تعرّف قدرات ومواهب أطفاله، وفي توفير الجو الأسري الآمن الذي يشعُرُ فيه الموهوب بتقدير واحترام ذاته، وهنا نحبُّ أنْ نختصها ببعض التوجيهات، وهي:
• المتابعة الدائمة في المنزل والروضة لما يقوم به الطفل من أداءات، وما يمارسه من أدوار تربوية واجتماعية، وقياس مستوى تقدُّمِه.
• توفير البيئة الآمنة والهادئة التي تجعل الطفل سليم نفسياً وعقلياً.
• مراعاة بأنّ الخبرة الناجحة التي تعرَّضَ لها الطفل من خلال التشجيع أثناء التفاعل الاجتماعي يعطيه الإحساس بالفاعلية المطلوبة في تلك المرحلة الحرجة.
• تجنُّب وصول الطفل للإحساس المفرط بالإهمال أو الدونية، والتي قد يصُل إليها لفقدان الفرص الجديدة والممتعة والمحفِّزة لإبراز مكنونات الاستطاعة والقدرة.
• إظهار التسامح للأخطاء العفوية غير المقصودة منْ قبل الطفل.
• العدل في التنشئة الأسرية والمعاملة الوالدية أيّاً كان ترتيب الطفل بين إخوانه وأخواته.
ثانياً: فيما يخصُّ إدارات رياض الأطفال
تعدُّ الإدارة عصب العمل في الروضة وشريانه الذي يمدُّ المعلِّمات والمنهج والأطفال وأولياء الأمور، فإنْ كانت متفهّمة ومختصّة حتما ستكون النتائج طيِّبة نضِرة، وهنا نحبُّ أنْ نختصها ببعض التوجيهات، وهي:
• العمل على تفريغ المعلِّمات للمهمّة الرئيسة وهي الانشغال بالأطفال، ومحاولة تخفيف الأعباء الإدارية من على كاهلهن إنْ وجدت؛ إذ نحن بحاجة لإعطاء المعلِّمة فرصاً أكبر لإعداد مزيدٍ من الأنشطة الإضافية الملائمة مع قدرات الموهوبين.
• الحرص على توفير المباني والمرافق الملائمة لأداء أدوار مختلفة من قبل الأطفال، إذ أنّ غرفة الدراسة لا تُعتبر إلاّ جزءٌ مما يريده الأطفال.
• السعي نحو امتلاك أو طلب الأدوات الملائمة لهذه المرحلة الدراسية للكشف والتعرُّف إلى الموهوبين.
• تأهيل وتدريب المعلِّمات بشكل دوري عن طريق ورش العملوالمحاضرات التي تدفع نحو وعي أفضل بالموهوبين وحاجاتهم التربوية والتعليمية والاجتماعية والانفعالية.
• تمهين بعض إدارات رياض الأطفال ليكونوا أكثر تخصصاً واهتماماً بتربية الأطفال.
• إعطاء جزء منَ الصَّلاحيّات للمعلّمات، كتفويضهنّ باقتراح المنهج التربوي والخطّة السنوية العامّة واحتياجاتها الفنية، ومشاورتهنّ في بعض القرارات التي تخصّ عملهنّ الميداني مع الأطفال وخاصّة الموهوبين منهم.
ثالثاً: فيما يخصُّ معلِّمة رياض الأطفال
 إنَّ العمل الذي تقوم به المعلِّمة في رياض الأطفال عمل حيوي للغاية، إذ تعتبر منَ الأسس التي ترتكز عليها المؤسسات في أداء رسالتها التربوية، وهنا نحبُّ أنْ نختصها ببعض التوجيهات، وهي:
• الاطلاع والقراءة المتعمِّقة لمفهوم الموهبة، وأدوات الكشف التعرّفإلى  الموهوبين، وخصائصهم واحتياجاتهم ومشكلاتهم، وأنواع خدمات الرعاية التي يُمكنُ توظيفها لهم في الروضة.
• طلب عقد دورات تدريبية بين الفينة والأخرى في كيفية بناء البرامج الإثرائية التي تخدم كلّ الأطفال بمنْ فيهم الموهوبين.
• الملاحظة الدقيقة لكلّ الأطفال وتسجيل أهم مؤشرات الأداء رفيع المستوى لكلّ طفل عبر استمارة تعدُّ وفقاً للأسس العلمية الموثوقة.
• التعاون مع أولياء أمور الأطفال وخاصّة الموهوبين منهم؛ كي يتمّ تجسير خدمات الرعاية الضرورية لهم ويتمّ التناغم في طريقة وكيفية عمل بعض الأنشطة التي تحافظ على التقدُّم.
• ضرورة تعليم بعض مهارات التفكير البسيطة بشكلٍ مقصود وبطريقة مكمّلة مع المعلومات النظرية والكفايات المعرفة، وعلى سبيل المثال: التطبيق، المقارنة، معرفة السبب والنتيجة، التتابع، وغيرها الكثير.
• إعطاء الطفل الفرص الكافية لاكتشاف اهتماماته وتطوير قدراته الخاصّة عبرَ تعلِّمه للمحتوى الذي ترى الروضة والجهة المختصّة بوزارة التربية والتعليم والمجتمع بمؤسساته الداعمة لقضايا الطفولة أنَّ الطفل في حاجةٍ إليه.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية