العدد 6035
الأربعاء 23 أبريل 2025
خربشة ومغزى.. "الأمم المتحدة ،، واحْتِفاء باللغة العَرَبَيّة"
السبت 17 ديسمبر 2022

الأمم المتحدة اعتمدت رسميا ستة لغات حول العالم، ونظمت احتفالية منفصله، يوم لكل لغة من هذه اللغات ضمن مبادرة تعزيز التنوع الثقافي، والتعدد اللغوي المتكافئ في جميع أنحاء المنظمة، وزيادة الوعي والاحترام لتاريخ وثقافة وإنجازات كل لغة. 

اللغات الست هي اللغة العربية الذي يصادف يومها 18ديسمبر، اما اللغات الخمسة الاخرى فهي اللغة الصينيه والانكليزية والفرنسية والروسية والاسبانية. وبهذه المناسبة نبث ما أحتشد بالذهن، وبَلَل القلم لنتحدث عن اللغة العربية فنقول؛ اللغة العربية هي علم جليل لا تنطفئ جذوته ،وهي تُمثل احد ركائز التنوع الثقافي البشري. والاحتفاء الأممي بيومها العالمي هذا الشهر هو تقدير واعتبار لموروثها، وأثرها العابر للأزمان والجغرافيا والبشر.

اللغة العربية ضمن ما يُسمى علم اللسانيات او ما يُعبر عنه بالانكليزيّة Linguistics يبحث في خواص تلك اللغة وصوتياتها وكيفية النطق بها، وعلم الصرف وتركيباتها النحوية، ودلالة معاني الكلمات وغيرها. ولغة العرب  كما وصفها الجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب بن فزارة الليثي الكناني البصري احد أساطين الأدب في العصر العباسي،المتُوفّى في البصرة عام 868م في كتاب البيان والتبيين قال"إنّه ليس في الأرض كلام هو أمتع، ولا آنق، ولا ألذّ في الأسماع، ولا أشدّ اتّصالاً للعقول السليمة، من طول استماع حديث الأعراب العُقَلاء الفُصَحاء والعُلَماء البُلَغاء. والفصاحة صفة مهمّة عند العرب، وهي ذات وجهين؛ عضويّ يتمثّل في طلاقة اللسان، ووضوح النُّطق عند المتكلّم، وتواصليّ يتحقّق في البيان، والفهم بين المتكلّم والمُستمِع".

الخليل بن احمد الفراهيدي المتُوفّى في البصرة عام 170هـ، هو أول من وضع باكورة علم الصوتيات العربية في كتابة القيم العين وهو معجم، ثم توالت بعده عدة معاجم مثل؛ كتاب البارع لمؤلفه القاليّ، وتهذيب اللغة للأزهري ، والمحيط في اللغة لابن عباد، وهذه كانت مابين القرن الثالث والخامس هجري. بعدها تنوعت المؤلفات التي تخدم علم اللغة، كمثل كتاب النبات لابي زيد الأنصاري المتُوفّى عام 215هـ حيث بسط فيه الاوصاف الدلالية للنباتات ومعانيها، ثم الأصمعي المتُوفّى عام 216هـ في كتابه خلق الانسان وكتابه الاخر النخل والكرم. 

ومن المؤلفات في دراسات الأسرار اللغوية التفصيلية برز لغويون كامثال سيبويه المتُوفّى عام 180هـ وكتابه في قواعد النحو. والسيوطي المتُوفّى عام 911هـ في كتابه المزهر علوم اللغة وأنواعها الذي تناول أصل اللغة ونشأتها.

موروث علم اللغة العربية، التآليف فيه كانت ذروة العصور الأولى الاسلامية، حيث جُذّر التوثيق وحملته المعاجم ليمتد الى تالي الازمان. وبهذا تربعت اللغة العربية على رقعة جغرافية واسعة منطوقة وفاعلة. 

الباحثون ذكروا ان بدو الجزيرة العربية هم الحفظة الأصليون للغة العربية الأصلية قبل ان تتبلبل السنتهم، وذلك لان البدو العرب حافظوا على استقلالهم داخل صحرائهم المترامية الأطراف لم يصل اليهم محتل او غاز، ولم يختلطوا بأحد لذا دامت لغتهم نقية. ولهذا كانت العرب فيما مضى ترسل أبناءها إلى البادية ليتعودوا الفصاحة وسلامة النطق بمخالطة أهلها. وبالطبع ليس المُراد بهذا المعنى استثناء حاضرة العرب في الجزيرة العربية وشمالها ومن نزحوا منها او المستعربين الذي أتقنوا العربية واحترفوها.

المستشرقون كثرت كتاباتهم عن اللغة العربية وتاريخها وعلاقاتها باللغات السامية نذكر منهم؛ الامريكي أولمستد المتُوفّى عام 1903م يقول: "ان البدو العرب كانوا اول من تكلم اللغة السامية على حقيقتها"، وسانده المستعرب الانكليزي فيلبي المتُوفى عام 1960م بعدما قام بدراسات مستفيضه لاحوال جزيرة العرب فيقول: "ان اللغة العربية التي يعترف الخبراء في كونها اقرب من جميع اللغات السامية الى اللغة الام الأصلية التي اشتقت منها جميع هذه اللغات، هي على اغلب الاحتمالات اقدم لغة في العالم ما زالت حية حتى يومنا هذا"

اما تطور اللغه فهو طبيعي يضيفه ما يتعامل به الناس بينهم باختلاف لغاتهم، او ما يتم من تفاعل بين الشعوب في تحول العصور لذا دخل المستعرب من الألفاظ على اللغة العربية. وهذا يحتاج امتداد لا يتوقف مع الزمن للمواكبة ومحاذاة المُستجد في العلوم التقنية والإنسانية تيسيرا للتعلم والتثاقف. 
بل مع الزمن لابد من المزاوجة بين الاصالة والتجديد اذ تم توظيف المراجع اللغوية القديمة، مع ما جاء في العلم الحديث الذي اضاف تجديدا لألفاظ ودلالات تُنهض طرائق التواصل بين أهل اللسان الواحد. 

معجم لسان العرب لابن منظور المُتوفى عام 711هـ ضم ما يزيد عن ثمانين ألفا مادة لغوية وتسعة آلاف من جذور الكلمات ولهذا تتربع العربية على عرش التميز والاستفراد والتفانيين، واصطفاها الله بين اللغات لتكون لغة القرآن والوجدان، وحرفها تتشكل فيه افانين الخط والإرتسام، وهذا شرف سرمدي، وفخر لكل ناطق بالعربي. 

العربية نحوها وصرفها ومجازها وطباقها وجِناسها وبديعها، فيها ذوقيات تشعرك كأنها تتحرك بحس زمني، يُلهم المتكلمين ويجذب المُتلقين، ولعل هذا ما دفع المستشرق الفرنسي ماسينيون المُتوفي عام 1962م ان يقول؛ باستطاعة العرب أن يفاخروا غيرهم من الأمم بما في أيديهم من جوامع الكلم التي تحمل من سمو الفكر وأمارات الفتوة والمروءة ما لا مثيل له. وكذلك وليم مرسيه المُتوفى عام 1956م في وصفه؛ ان العبارة العربية كالعود إذا نقرت على أحد أوتاره رنت لديك جميع الأوتار وخفقت، ثم تحرك اللغة في أعماق النفس من وراء حدود المعنى المباشر موكبا من العواطف والصور. 

ختاما ما دام الآذان بالعربية يقرع كل يوم خمسا، والصلوات تُقام بالقرآن العربي صفا صفا، والخطيب بالجوامع والمنابر بالفصاحة له قولا وصدحا، فعُرى العربية لا تنفصم، وحصنُها لا ينهدم، ومن انتسب للعربية مولاة وثقافة كمن التحق بالعرب نسبا. ولغة العرب تقوى بالمنتمين لها وتضعف بضعفهم.

لهذا اللغه العربية وعصرنتها تتأتى بنهوض الناطقين واعتزازهم بها، وتضمر إذا ذهب عنها اهلها بالاستغناء الى غيرها دونما حاجة لها تبريرها، فالحذر لمنتسبوا اللغة أن يُقزموا لغتهم دونما يقصدون.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية