العدد 5673
الجمعة 26 أبريل 2024
banner
حسام الطائي
حسام الطائي
التكنولوجيا و انقراض فن استخدام الكلمة
الأحد 25 ديسمبر 2022

تمتاز اللغة العربية بثراء كلماتها التي تصل الى ١٢ مليون كلمة دون تكرار متفوقة على الكثير من اللغات الاخرى، يرافق هذا الثراء "فن استخدام الكلمة" المناسبة في الحديث و الشعر و المراسلة وقد امتاز فيه العرب سنوات طويلة. 

ومنذ نشأت الصحافة الورقية انتشر "فن استخدام الكلمة"  اكثر وساهمت في اثراء المحتوى اللغوي للجمهور، فكانت تصور لهم الاحداث بواسطة "نوع الكلمات" المناسبة وتسرد الاخبار التي يتفنن محرروها "بكلمات غير مكررة تشد القارئ وتضعه في اجواء الحدث والخبر" فيتصورون ما يقرؤون من خلال "الكلمات" التي يضيفوها الى محتواهم اللغوي ككلمات جديدة تثريهم لغويا. 

مع ظهور التلفزيون و الصورة في الصحف الورقية تأثر وتحجم "فن استخدام الكلمة" ذات المعاني الخلابة، لان "الصورة بالف كلمة" وهي تنقل الاحداث والاخبار دون جهد او وقت للقراءة والتصور، و رغم ذلك حافظ "فن استخدام الكلمة" على جزء من بريقه في المراسلة بين الافراد والمطالعة والحديث ونقل اخبارهم و احداثهم باستخدام كلمات مشوقة جاذبة مؤثرة لان "فن استخدام الكلمة" يدل على رقي و ثقافة الفرد، لذلك استمر السعي لتطوير المحتوى اللغوي من خلال الكتب ومابقي من تاثير الصحف الورقية "قبل ثورة الانترنت و الاتصالات".

خلال ثورة الانترنت والاتصالات والهواتف واللوحيات، انخفض "فن استخدام الكلمة" بالتواصل بين الافراد لان التكنولوجيا ركزت باحدى جوانبها على " التواصل بين الافراد" بكل الوسائل "الصوت والصورة والفيديو المسجل والفيديو المباشر" فلم يعد الافراد بحاجة الى شرح مفصل باستخدام "الكلمات المنوعة المشوقة" بل يكررون "الكلمات الاكثر استخدام" وباقي الاحداث والاخبار يشرحها الصوت المسجل او الصورة او الفيديو، لذلك انخفضت حاجة الافراد لتطوير محتواهم اللغوي من الكلمات لان تكنولوجيا الاتصالات سهلت واختصرت كثيرا.

اساليب تواصل جديدة حجمت فن استخدام الكلمة ظهرت اساليب تواصل جديد لم تكن موجودة سابقا تعتمد على التكنولوجيا ساهمت في تحجيم "فن الكلمة" وهي "الايموجي" الاشكال الدائرية الصفراء التي تشرح كل انواع المشاعر، اختصرت الكلمة والتصور.

الكلمات الجاهزة، التي يحفظها او يقترحها برنامج التواصل، بدل كتابة كلمات جديدة تظهر مقترحه مع كتابة اول حرف او مخزونة سابقا ليتم الضغط عليها وارسالها للتواصل.
الكلمات الانجليزية المختصرة بالعربي، تستخدم للسهولة والاختصار مثل "اوك - نو - يس - تواصل سناب - او ماي كاد - اعمل جوجل" وغيرها وهي تتطور بسرعة هائلة وتحتل مكان الكلمة المناسبة الصحيحة.
فقدان اصول التواصل بالكلمات، برامج التواصل جعلتنا حاضرين دوما، فصار التواصل بين الافراد يفتقر للمقومات التي تبدأ بالسلام والسؤال بلباقه عن "الطلب" و السؤال عن احوال الفرد والوداع، فحاليا التواصل بدون سلام او وداع بل "الطلب مباشرة".
اندماج الكلمة والصورة والفيديو، ويعني ان اي فكرة يتم شرحها، جزء بالكلمة وجزء اخر بالصورة او الفيديو، فصارت الشروحات بين الافراد والشركات لاتعتمد على "الكلمات المشوقة والدقيقة" كثيرا بل باضافة صورة او فيديو.
الخلاصة ان "فن استخدام الكلمة" و "اثراء المحتوى اللغوي للفرد" كأنه بدأ ينقرض مثل باقي الفنون والمهارات والاعمال التي تاثرت بالتكنولوجيا، حتى الصحافة الورقية التي ثقفت المجتمعات لسنوات طويلة بدأت نهايتها، وهنا لا أتهم التكنولوجيا او نظام تعليمي او غزوة ثقافية بل اقول انه "تطور الزمن" الذي "يختصر و يُسهل" من "فن استخدام الكلمة" ويبعده عن الدقة المتناهية، فبدل قول "الاقهبان" نقول الفيل الذكر و بدل "العترفان" نقول الديك وبدل"الرائي" يكون التلفاز وبدل "العمساس والدحمس والقسقاس" صارت كلها كلمة واحدة (الليل)، فالمجتمعات الحالية بدلا من"جمع كلمات جديدة دقيقة" توفر الوقت والجهد لمواكبة العصر في "الحداثة و تطوير الاعمال" وغيرها من جوانب طغت على "فن وثراء الكلمة"، فتطور الزمن "حبس الكثير من كلمات اللغة العربية في المعاجم" وعليه من يملك الوقت حاليا ليبحث ويفهم ماقاله الشاعر الليث بن فاز الغضنفري "ومدركل ٌ بالشنصلين تجوقلت  عفصٌ له بالفيلطوز العقصلِ ومدحشرٌ بالحشرمين تحشرجت  شرا فتاه فخر كالخزعبلِ".

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .