العدد 5673
الجمعة 26 أبريل 2024
banner
د. عدنان محمد القاضي
د. عدنان محمد القاضي
قِراءاتٌ نقديّة في وَاقع رِعَاية المَوهوبين (4-6): خِدمات الارشاد باستراتيجيّاتها وأنواعِها
الخميس 05 يناير 2023

خِدمات الارشاد بأشكالها المختلفة النفسية؛ الاجتماعية؛ الأكاديمية؛ والمهنية، وبأنواعها المتعدّدة من برامج؛ جلسات؛ قراءات حرّة؛ وأعمال تطوّعية لا تنفكّ عنِ البرامج الإثرائية بوحداتها المتنوِّعة ومشاريعها ومناشطها، بل تسير معها جنبًا إلى جنْبٍ، ومنَ المعِيبِ إهمالها أو حصرها في موضوعات ضيِّقة منْ دونِ رويَّة أو منهجية موضوعية.
إذ منَ المهم الوعي بالسِّمات الشَّخصيّة؛ كونها جذع الارشاد عنصره الرئيس، فقد عُرِّفتْ بأنّها: "التنظيم الثابت والدائم إلى حدٍّ ما لطِباع الفرد ومزاجه وعقله وبنية جسمه، والذي يُحدد توافقه مع بيئته"، ومنْ أهم السِّمات الشَّخصية المتّصلة بالموهبة:
• المهارات الانفعالية، وتشمل: الوعي بالذات، معالجة الجوانب الوجدانية، الدافعية، التفهُّم (أو التعاطف)، والمهارات الاجتماعية.
• المهارات الاجتماعية، وتشمل: مهارات العلاقة مع الأفراد، مهارات وضبط وإدارة الذات، المهارات الأكاديمية، مهارات المسايرة، ومهارات تأكيد الذات. 
• المهارات القيمية، وتشمل: التكافل الاجتماعي، الشعور بالقيم والعادات، التعامل مع الأفكار الوسطية، العمل التطوعي، احترام القوانين الوطنية، التعاون البنّاء، المسؤولية المجتمعية، والشعور اتّجاه المجتمع.
وهكذا نجد أنفسنا ملزمين بالتعريج على أهم حاجات الموهوبين على النحو الآتي: 
أولاً: الحاجات الانفعالية، ومنها: روح الدعابة والمرح، الإدراك العالي للذات، الإحساس بالاختلاف عن الآخرين، العواطف والانفعالات العميقة، التحكُّم الداخلي بالمشاعر، الشعور بالرضا، والثقة العالية بالنفس.
ثانيًا: الحاجات الاجتماعية، ومنها: الدافعية القويّة، الاندماج الاجتماعي، الاستقلالية، بيئة إيجابية وداعمة، تحقيق الذات، الإدراك العالي للعلاقات الاجتماعية، والقيادة وحلّ المشكلات الاجتماعية والبيئية.
ثالثًا: الحاجات القيمية، ومنها: ترجمة القيم إلى الواقع، وضوح القوانين والقيم والعادات، الوعي بالقيم ومتغيّراتها، معرفة ديناميّات الجماعة، وضع معايير للحُكم على الآخرين، استلال القيم من التعاليم الإسلامية، ومواقف وظروف لتقييم القيم.
فيما يلي ملاحظات سُجِّلتْ بشأنِ بعض التَّجارب الخليجية والعربية مرتبطة بمدى توفير خِدمات الارشاد باستراتيجيّاتها وأنواعها، ومنها:
• انعدام خِدمات الارشاد بأنوعها وأشكالها المختلفة لدى بعض المؤسسات، واكتفائهم بالبرامج الإثرائية ذات الصبغة المعرفية والمهارية البحتة.
• اعتماد برامج إرشادية جاهزة تُباع في الأسواق على هيئة كتب تطرحُ موضوعات تنمية الذات أو بناء الشَّخصيّة لجميع فئات الموهوبين المنتشرين في الصفوف الدراسيّة المُختلفة.
• جدولة خِدمات الارشاد في مواسم معيّنة لا تصِلُ نسبتها 10% من إجمالي خِدمات الرعاية المقدَّمة للموهوبين.
• تركيز بعض المؤسسات على إرشاد الموهوبين فيما يعانونَه منْ مشكلات (علاجية إنْ بدت عليهم أعراضها) بصورة حصريّة متناسين حاجاتهم وتطلّعاتهم وبناء شخصيّاتهم المتنوِّعة.
• غيابُ النَّظرة الكليّة والشاملة لموضوعات إرشاد الموهوبين، فما يصلح للصفوف الأولى (4-6) لا يفترض بأنّه مناسب للصفوف الوسطى (7-9)، وهكذا نحتاج إلى خِدمات يُراعى فيها المدى والتتابع لموضوعاتها وقضاياها.
• عدم وجود نماذج أو قوالب عالمية يُمكنُ الاستناد إليها، واعتمادها لبناء برامج إرشادية ذات قيمة مضافة للموهوبين. 
• بعض المؤسسات تطرح موضوعات إرشادية متناثرة لا صلة أو ترتيب فيما بينها، بل اختيار عشوائي لشغل حصص معيّنة أو لتضمينها في خطط المعلم وملّفاته ليس إلّا.
وكي نقف إلى جانب المسار الصحيح ينبغي أنْ نستذكر ما ورد في وثيقة معايير الرابطة الوطنية الأمريكية للأطفال الموهوبين (NAGC, 2019)؛ لقراءة تحليلية منصِفة حيثُ تناولت مخرجات الموهوبين المرتبطة بخِدمات الارشاد المختلفة وعبر المحاور الآتية:
محور (1): التعلم والتطوير
• الفهم الذاتي: يلاحظ الموهوبون اهتماماتهم وقدراتهم وحاجاتهم في المجالات الإدراكية والإبداعية والاجتماعية والعاطفية والنفسية.
• الفهم الذاتي: يبرز الموهوبون فهمهم لكيفية التعلم وملاحظة تأثير شخصياتهم وثقافاتهم وقناعاتهم وعاداتهم وقيمهم على تعلمهم وسلوكهم.
• النمو الإدراكي والنفسي-الاجتماعي والعاطفي: يبرز الموهوبون النمو الإدراكي والمهارات النفسية-الاجتماعية التي تدعم تطوير مواهبهم كنتيجة لأنشطة تعلمية جادة وذات معنى تهتم بالخصائص الفريدة لحاجاتهم.
• النمو الإدراكي والتطوير الوظيفي: يحدد الموهوبون أهداف المستقبل الوظيفي التي تتناسب مع اهتماماتهم وقدراتهم، كما يحددون المصادر اللازمة لتحقيق تلك الأهداف (مثل: الفرص التربوية التكميلية، الموجهين، الدعم المالي).
محور (3): تخطيط المنهج الدراسي وطرائق التدريس
• تطوير الموهبة: يبرز الموهوبون نمواً في المهارات الاجتماعية والعاطفية والنفسية-الاجتماعية اللازمة للإنجاز في نطاقات مواهبهم و/أو مجالات اهتماماتهم.
محور (4): بيئات التعلم
• الكفاءة الشخصية: يبرز الموهوبون نمو الكفاءة الشخصية وإمكانية تحقيق إنتاجية أكاديمية وإبداعية استثنائية. ويشمل ذلك الوعي الذاتي؛ الدفاع عن النفس؛ الكفاءة الذاتية؛ الثقة؛ والدافعية؛ المرونة؛ الاستقلالية؛ حب الاستطلاع؛ والمجازفة.
• الكفاءة الاجتماعية: يطور الموهوبون الكفاءة الاجتماعية ممثلة في العلاقات الإيجابية مع الزملاء والتفاعل الاجتماعي.
• الكفاءة الثقافية: يحترم الموهوبون ويدركون قيمة لغاتهم ولغات الآخرين وتراثهم وظروفهم. ويملكون مهارات التواصل والتعلم والتعاون مع أشخاص مختلفين ومجموعات مختلفة. ويستخدمون استراتيجيات إيجابية للاهتمام بالقضايا الاجتماعية بما في ذلك التمييز والنمطية.
محور (5): البرمجة
• الشمولية: يبرز الموهوبون نمواً يتناسب مع قدراتهم في المجالات الإدراكية والعاطفية-الاجتماعية والنفسية-الاجتماعية كنتيجة للبرمجة والخدمات الشاملة.
• مسارات المستقبل الوظيفي: يضع الموهوبون أهدافاً تتعلق بالمستقبل الوظيفي، ويحددون مسارات تطوير الموهبة لتحقيق تلك الأهداف.
ولمن أراد أنْ يُصمم برنامجًا إرشاديًا، فعليه بالانطلاق من الأهداف العامة الآتية:
• توعية الموهوبين بالمشكلات الذاتية التي يُمكن أنْ يتعرَّضوا لها، وسبل مواجهتها.
• إكساب الموهوبين المهارات؛ الاستراتيجيّات المهارية اللازمة لإدارة الذات والآخرين.
• إكساب الموهوبين المهارات الاجتماعية المناسبة للتعامل السليم مع المواقف والآخرين.
• زرع القيم الدينية في الموهوبين، والتي من دونها قد تنعطس موهبتهم سلبًا على مجتمعاتهم.
كذلك نقترح بأن يكون الأسس النظري لأي برنامجٍ إرشاديّ ما يلي: 
• تعديل السلوك المعرفي: استخدام مبادئ تعديل السلوك في تفسير؛ وتغيير العمليات المعرفية (الاعتقادات؛ الإدراكات؛ أنماط التفكير؛ والتحدُّث إلى الذات) ذات التأثيرات المختلفة على السلوك، ومن أهم طرائقه العلاجية: أسلوب إعادة البناء المعرفي، أسلوب حلّ المشكلات، التعلُّم الذاتي، والعلاج العقلاني العاطفي.
• نظرية التعلُّم الاجتماعي: الانسان كائن اجتماعي يعيش ضمن مجموعات يتفاعل معهم، ويؤثر ويتأثر بهم، فهو يُلاحِظ سلوكات وعادات واتجاهات الأفراد الآخرين، ويعمل على تعلّمها من خلال الملاحظة والتقليد كنماذج يتم الاقتداء بسلوكاتهم، ومن أهم مصادرها:
1. التفاعُل المباشر مع الأشخاص الحقيقيين في الحياة الواقعية.
2. التفاعل غير المباشر والمتمثِّل في وسائل الاعلام المختلفة.
3. مصادر غير مباشرة أخرى: القصص، الروايات الدينية والأدبية.
• النظرية السلوكية: تعتمد محور عملية التعلم في اكتساب التعلم الجديد أو في إطفائه أو إعادته. وترى بأنَّ أكثر السلوك الانساني مكتسب عن طريق التعلُّم، وأنَّ سلوك الفرد قابل للتعديل أو التغيير بإيجاد ظروف وأجواء تعليمية معيّنة.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .